تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأن الله أراد بالعبد خيراً أن يفقهه في دينه، وأن يتبصر في ذلك، حتى يعرف الحق من الباطل، والهدى من الضلال، وحتى يعرف ربه بأسمائه وصفاته، وعظيم حقه، وحتى يعرف النهاية لأولياء الله ولأعدائه. فالنهاية لأولياء الله الجنة والسعادة بجوار الرب الكريم، والنظر إلى وجهه سبحانه وتعالى، في دار الكرامة. والنهاية لأعداء الله دار النكال والعذاب والهوان، والحجاب عن الله عز وجل.

وبهذا نعلم عظم العلم وشرفه، وأنه أفضل شيء وأشرفه لمن أصلح الله نيته؛ لأنه يتوصل به إلى معرفة أفضل واجب، وأعظم واجب، وهو توحيد الله والإخلاص له، ويتوصل به أيضاً إلى معرفة أحكام الله، وما أوجب على عباده، فهو واجب عظيم يوصل إلى أداء واجبات عظيمة، لا سعادة للعبد، ولا نجاة لهم، إلا بالله ثم بالعلم بها، والتمسك بها والاستقامة عليها.

والعلماء الذين أظهروا العلم هم خيرة الناس، وأفضلهم على وجه الأرض، وعلى رأسهم أئمتهم الرسل عليهم الصلاة والسلام، والأنبياء، فهم القدوة والأساس في الدعوة والعلم والفضل، ويليهم أهل العلم على طبقات، فكل من كان أعلم بالله وبأسمائه وصفاته، وأكمل في العمل والدعوة كان أقرب الناس من الرسل، ومن درجاتهم ومنازلهم في الجنة فأهل العلم هم أئمة هذه الأرض ونورها وسرجها، وهم أولى بها من غيرهم، يرشدون الناس إلى طريق السعادة، ويهدونهم إلى أسباب النجاة، ويقودونهم إلى ما فيه رضا الله جل وعلا، والوصول إلى كرامته والبعد عن أسباب غضبه وعذابه. فالعلماء هم ورثة الأنبياء، وهم أئمة الناس بعد الأنبياء يهدون إلى الله، ويرشدون إليه، ويعلمون الناس دينهم، فأخلاقهم عظيمة، وصفاتهم حميدة، علماء الحق، علماء الهدى، هم خلفاء الرسل، الذين يخشون الله ويراقبونه ويعظمون أمره، وهو من تعظيمه سبحانه. هؤلاء أخلاقهم أرفع الأخلاق وأسماها؛ لأنهم سلكوا مسلك الرسل، وساروا على نهجهم وطريقهم في الدعوة إلى الله على بصيرة، والتحذير من أسباب غضبه، والمسارعة إلى ما عرفوا من الخير قولاً وعملاً، والابتعاد عما عرفوا من الشر قولاً وعملاً، فهم القدوة والأسوة بعد الأنبياء في أخلاقهم العظيمة، وصفاتهم الحميدة، وأعمالهم الجليلة، وهم يعملون ويعلمون، ويوجهون طلابهم إلى أسمى الأخلاق وخير السبل.

وسبق أن العلم قال الله قال رسوله، هذا هو العلم الشرعي، هو العلم بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما يعين على ذلك. فالواجب على أهل العلم، أن يتمسكوا بهذا الأساس العظيم، وأن يدعوا الناس إليه وأن يوجهوا طلابهم إليه، وأن يكون الهدف دائماً العلم بما قال الله وقال رسوله، والعمل بذلك، وتوجيه الناس وإرشادهم إلى ذلك. ولا يجوز التفرق والاختلاف ولا الدعوة إلى حزب فلان وحزب فلان، ورأي فلان، وقول علان، وإنما الواجب أن تكون الدعوة واحدة إلى الله ورسوله، إلى كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، لا إلى مذهب فلان، أو دعوة علان، ولا إلى الحزب الفلاني، والرأي الفلاني، يجب على المسلمين أن تكون طريقتهم واحدة، وهدفهم واحداً، وهو اتباع كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام.

وأما ما جرى من الاختلاف بين أهل العلم في المذاهب الأربعة وغيرها، فالواجب أن يؤخذ منه ما هو أقرب إلى الصواب، وهو القول الذي هو أقرب إلى ما قاله الله ورسوله نصاً أو بمقتضى قواعد الشريعة. فإن الأئمة المجتهدون إنما هدفهم ذلك، وقبلهم الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، وهم الأئمة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، فهم أعلم الناس بالله وأفضلهم وأكملهم علماً وخلقاً. فقد كانوا يختلفون في بعض المسائل ولكن دعوتهم واحدة، وطريقهم واحد، يدعون إلى كتاب الله وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام، وهكذا من بعدهم من التابعين، وأتباع التابعين كالإمام مالك، وأبي حنيفة، والشافعي، وأحمد، وغيرهم من أئمة الهدى: كالأوزاعي والثوري وابن عيينة وإسحاق بن راهويه، وأشباههم من أهل العلم والإيمان، دعوتهم واحدة، وهي الدعوة إلى كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكانوا ينهون أتباعهم عن تقليدهم ويقولون: (خذوا من حيث أخذنا) يعنون من الكتاب والسنة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير