فوكّل النبي صلى الله عليه وسلم بالأعرابي رجلاً فقال: إذا صلى فأتني به، فلما صلى أتاه، وقد كان أهدي له ذهب من بعض المعادن، فلما أتاه الأعرابي وهب له الذهب وقال: ممن أنت يا أعرابي؟ قال: من بني عامر بن صعصعة، قال: هل تدري لم وهبت لك الذهب؟ قال: للرحم بيننا وبينك، قال: إن للرحم حقاً، ولكن وهبت لك الذهب (بحسن ثنائك على الله تعالى) [أخرجه الطبراني في الأوسط كذا مجمع الزوائد 10/ 15].
فهو الذهب أخيتي، ذهب من فم أعرابي، يقابله ذهب من النبي عليه الصلاة والسلام، وهو أعلم الخلق بالله، وما ذلك إلا تقديرا للثناء على الله تعالى.
وتعليما للأمة كيف تتعامل مع ربها وتثني عليه، وكيف يكون جزاء الإبداع الإيماني ذهبا خالصا، يستحق أن يكافأ عليه أعرابي يصلي ركعتين، فيستحق الذهب من خير البرية عليه الصلاة والسلام.
إن هذا الحديث يعلمنا أن الإبداع الإيماني - المقيد بالشرع - هو مطلب نبوي عالي الحث، وهو سمت لأهل الصلاح والحال مع الله، إذ حياة القلوب هي التي تفيض بمثل هذا الإبداع، ولن تتذوق القلوب هذه المعاني، ولا تنطق ثنايا الفم بكلام عذب، إلا برصيد إيماني ومعرفي ولغوي، تخرج منه الكلمات من بعد حياتها في القلب، كمثل نثرات الذهب، فيكون ثمة ذهاب الغم، وإقبال الحال المرضي مع الرب الرزاق.
من أجل ذلك: يكون الثناء على الله تعالى باستحضار: جلال الرب الكريم سبحانه بأسمائه وصفاته، و تذكر نعم الله على العبد، وشكره عليها.
كيف يكون ذلك؟؟
1. تمعن راقٍ في أسماء الله وصفاته، وحفظها، والعيش معها.
2. حفظ أعذب الكلام اللائق بالممدوح سبحانه وتعالى.
3. تعميق معاني الإيمان في القلب وتقليبها بين الفينة والفينة.
نماذج عملية:
* اللهم لك أذل، وبك أعز، وإليك أشتاق، ومنك أفرق، وتوحيدك أعتقد، وعليك أعتمد، ورضاك أبتغي، وُسخطك أخاف، ونقمتك أستشعر، ومزيدك أمتري، وعفوك أرجو، وفيك أتحير، ومعك أطمأن، وإياك أعبد، وإياك أستعين، لا رغبة إلا ما نِيط بك، ولا عمل إلا ما ُزكي لوجهك، ولا طاعة إلا ما قابله ثوابك، ولا سالم إلا ما أحاط به لطفك، ولا هالك إلا من قعد عنه توفيقك، ولا مغبوط إلا من سبقت له الحسنى منك.
* سبحان من لا يموت، سبحان من تكفل بالقوت، سبحان من صوّر الأجنة، سبحان من له المنة، سبحان من وهب النور في الأبصار، وسكب الضياء في النهار، وقصَّر بالموت الأعمار، وأفنى بالهلاك الديار، جل في علاه، تقدس عن الأشباه، لا إله إلا إياه، لا نعبد سواه، غالب فلا يقهر، وشاء فلا يجبر، أغنى وأقنى، وأضحك وأبكى، ظهرت آياته، بهرت بيناته، حسنت صفاته، تباركت ذاته.
* لا إله إلا الله عدد ما خطت الأقلام.
* لا إله إلا الله كلما سجع الحمام، وهطل الغمام، وقوضت مني الخيام.
* لا إله إلا الله كلما برق الصباح، وهبت الرياح، وكلما تعاقبت الأتراح والأفراح.
* لا إله إلا الله كلما ازدحمت الأنفاس، و حل السرور والإيناس، وانتقل الضر والبأس، وزال القنوط واليأس.
* لا إله إلا الله ترضيه، لا إله إلا الله بها نلاقيه، لا إله إلا الله تملأ الكون وما فيه، لا إله إلا الله كلما دجى الليل، وكلما انكشف الهول والويل، وكلما انعقد السحاب وجرى السيل.
* لا إله إلا الله يفعل ما يريد، لا إله إلا الله يُبدئ ويعيد، لا إله إلا الله ذو العرش المجيد، والبطش الشديد، لا إله إلا الله ندخرها ليوم الوعيد، ونتقي بها عذاب جهنم الأكيد.
* لا إله إلا الله كلما ترعرع ورد وأزهر، وكلما لمع بارق وأمطر، وكلما تنفس صبح وأسفر.
* لا إله إلا الله كلما زمجرت الرعود، وخفقت البنود، وجرى الماء في العود.
والنتيجة القريبة البعيدة: (قصة حب) ...
فعندما يوفق العبد للثناء على الله تعالى، ويعيش بمعاني أسمائه وصفاته، تزرع في قلبه محبة الله، وتقبل روحه هائمة تقول: هل من مزيد، وتكبر وردة الحب البيضاء الجميلة في قلب العبد، فيكون بهذا الحب كأنه ولد من جديد، وأعيدت له روح كان يبحث عنها، فالحب ماء الحياة، وغذاء الروح، وقوت النفس، بالحب تشرق الوجوه، وتبتسم الشفاه، وتتألق العيون.
بالحب تكون النار بردا وسلاما على إبراهيم، وبالحب انفلق البحر لموسى، وبالحب حن الجذع لمحمد، وانشق له القمر، وبالحب كان بطن الحوت ليونس محرابا، وبالحب كان الكهف للفتية فراشا.
وبالحب تشرق معاني الحب الصادق في قلب العبد، فيرى الوجود كله بنظرة أخرى تماما، هي نظرة المحب لله رب العالمين.
أتمنى أن أكون كتبت كلاما يفيد، ومعاني تجيد، وأوصلت مفهوما للثناء على الله، فهو موضوع عميق، ويكفي مني بذل الجهد في إيصال المراد، والله الموفق لكل عبد أواب.
وليس عندي ذهب أعطيه نظير سؤال ذكي، لكني أهدي رمزا يحوي كنوزا عدة، أتمنى أن يدرك
المصدر
إسلام أون لاين. نت - استشارات ايمانية - كيف أثني على الله عز وجل!؟
¥