قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
(وكذلك ايضا ليس المقصود مجرد حجب النساء وسترهن دون الفرق بينهن وبين الرجال بل الفرق أيضا مقصود حتى لو قدر أن الصنفين اشتركوا فيما يستر ويحجب بحيث يشتبه لباس الصنفين لنهوا عن ذلك ... ولهذا جاءت صيغة النهى بلفظ التشبه بقوله (لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء وقال لعن الله المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء)،والمرأة المتشبهة بالرجال تكتسب من أخلاقهم حتى يصير فيها من التبرج والبروز ومشاركة الرجال ما قد يفضى ببعضهن إلى أن تظهر بدنها كما يظهره الرجل وتطلب ان تعلو على الرجال كما تعلو الرجال على النساء وتفعل من الأفعال ما ينافى الحياء والخفر المشروع للنساء وهذا القدر قد يحصل بمجرد المشابهة وإذا تبين أنه لابد من أن يكون بين لباس الرجال والنساء فرق يتميز به الرجال عن النساء وان يكون لباس النساء فيه من الاستتار والاحتجاب ما يحصل مقصود ذلك ظهر أصل هذا الباب وتبين أن اللباس إذا كان غالبه لبس الرجال نهيت عنه المرأة وإذا كان ساترا كالفراجى [نوع من الألبسة الساترة التي يلبسها الرجال] التى جرت عادة بعض البلاد أن يلبسها الرجال دون النساء، والنهى عن مثل هذا بتغير العادات وأما ما كان الفرق عائدا إلى نفس الستر فهذا يؤمر به النساء بما كان أستر ولو قدر أن الفرق يحصل بدون ذلك فإذا اجتمع فى اللباس قلة الستر والمشابهة نهى عنه من الوجهين والله أعلم) انتهى.
الدليل الخامس:
أن هذه الأزياء مخالفة لهدي نساء المسلمين، فإن الأصل في نساء المسلمين الستر والصيانة والاحتشام في مجالسهن ومحافلهن، وهذا هو الذي عليه هدي السلف والصالحات العفيفات من لدن زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم إلى هذا العصر، لا تجد هذه الألبسة الفاضحة من هديهن ولا من لباسهن و لا يرضين بها، بل ينهين عنها.
فمن الإثم العظيم والضلال المبين أن تستبدل أزياء الكافرات بأزياء الصالحات الطاهرات، والله المستعان.
الدليل السادس:
أن لبس المرأة لمثل هذه الأزياء الفاضحة خرم للمرؤة، وإفساد للفطرة،ونزع للحياء منها، والحياء هو تاج المرأة وأساس عفتها بإذن الله تعالى، وهو العاصم بعد الله من الوقوع في الفواحش والمعاصي:
وفي الصحيحين عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الحياء لا يأتي إلا بخير).
و فيهما أيضا عن ابن عمر رضي الله عنهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (الحياء من الإيمان).
وروى أبو داود والنسائي وغيرهما عن يعلى بن أمية رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال (إن الله حيي ستير يحب الحياء والستر).
والمرأة بسقوط قناع الحياء عنها تسقط في مهاوي الرذيلة والعياذ بالله.
الدليل السابع:
أن لبس هذه الأزياء ذريعة لترك الاحتشام مطلقا، ونبذ الحجاب كله، والخروج أمام الرجال، أو إبداء بعض الزينة لهم، أو التهاون في الستر أمامهم، وكل هذا حاصل بالفعل ممن يلبسن هذه الأزياء، تجدهن من أشد النساء تساهلا في الحجاب والستر، وما ذاك إلا لسقوط حرمة التستر في نفوسهن لما اعتدن على هذه الأزياء، والمنكر إنما يبدأ صغيرا ثم لا يلبث أن يكبر ويعظم –مع عدم وجود المنكرين له - حتى ينتشر شرره ويعم ضرره ويصعب تغييره، ومن المعلوم المتقرر أن ما كان وسيلة مفضية إلى محرم فإن فعله محرم إذ للوسائل أحكام الغايات.
الدليل الثامن:
أنه قد يحصل بسبب شيوع هذه الألبسة والأزياء من الفتن بين النساء شئ عظيم، فإن من النساء نساء قليلات الدين، عديمات المرؤة والحياء، وقد يعجب بعضهن ببعض ويحصل بينهن أمور لا تحمد عقباها، وتكون هذه الأزياء طريقا لإثارة الغرائز بينهن المؤدية إلى المحرم، وقد تسقط العفيفة في ذلك أيضا إذا تهاونت وحضرت مثل تلك المحافل التي يلبس فيها النساء تلك الأزياء، فإن النساء ضعيفات، والشيطان حريص على إيقاعهن في حبائله، والعاقلة من حصنت نفسها بالدين والعفاف وابتعدت عن مواطن الفتن.
وقد سبق نقل قول ابن القطان:
(أما امتناع إبداء المرأة للمرأة ما زاد على ما تبديه لذوي محارمها فلما تقرر عادة من ولوع بعضهن ببعض، ولما يحصل من استحسان جالب للهوى موقع في الفتنة) انتهى
وأخيرا:
فالحصيفة من ابتعدت بنفسها عن الفتن، فأرضت ربها، وعملت بسنة نبيها صلى الله عليه وسلم، وعلمت أن العزة في حجابها وسترها وحيائها، وعلمت أن أعداء الإسلام يكيدون من أجل نزع حيائها ليسهل بعده نزع الحجاب، فتحصنت بالدين، وتركت الشبهات ومواطن الريب، وجعلت أمهات المؤمنين هن القدوة، واتبعت آثار الصالحات، وصانت نفسها وبيتها من هذه الشرور.
وعلى المسلم أن يقي نفسه وأهله أسباب عقوبة الله وموجبات سخطه بالنصح والتذكير والموعظة والأخذ على اليد فقد قال الله سبحانه (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة).
اسأل الله تعالى أن يحمي نساء المسلمين من التبرج والسفور ومن أسباب الفتن.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
¥