تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وجاء اليوم الثاني، فجَأَروا بالبُكاء، وهذا يَشُدُّني، وهذا يَعَضُّني، وهذا يقول: متى ينتهي رمضان؟! عند هذه العبارة أفقتُ، ومن غفلتي انتبهت، فقمت مُسرعة إلى بيتي وأولادي؛ لأرسم البَسْمة على الوجوه، واحتسبت وقتي وجهدي، ورَغْمَ أنَّ قراءتي القرآنَ صارت قليلةً، وخلواتي في الدُّعاء صارت عسيرة، وأمَّا صلاة القيام، فقد أخرتُها تأخيرًا، حتى صارت تأخذ من الوقت القليل، إلا أنني لم ألبثْ إلاَّ يسيرًا، حتى شعرت برزقٍ من الانشراح في الصَّدر كثيرًا، وغمرتني الراحة والحبور، ورجوت من الله القَبول، فنظرتُ فيما مضى بأعين دامعة، وقد علمت أنَّني كم أضعت! وكم فرطت! وكم كنت جاهلة!

ثم رزقت خلوة إجبارية مع أولادي وزوجي فقط، دون سائر الأهل والأحباب ومجالس الأصدقاء، وامتدت طويلاً، ولم أجد شيئًا أفعله، سوى أنْ أتفانى في بيتي محتسبة، وأحسن التبعُّل لزوجي المتعجِّب من حالي المتقلب، وأقبلت على الأولاد المساكين، الذين لم يكن لهم - بعد الله - غيري، فعلمتهم أمورًا كثيرة، ولعبت معهم ألعابًا جميلة، فشعرت بنَشْوة في القلب، وانشراحًا في الصدر، وبركة في الوقت، فقرأت من القرآن ما قرأت، وطلبتُ من العلوم ما طلبت، ورغم قِلَّة الكم، فقد عظمت بركة الكَيْف، فصار الطلبُ للعمل أقربَ من الطلب القديم، الذي كان لمجاراة العلماء، ومماراة السفهاء.

حتى جاء ذات يوم خاطر حزين، قد ضاع عمرك وفني علمك، فلم يستفد به أحد، ولم تنالي من الشُّهرة قسطًا، ولم تستزيدي من العلم والخبرة، وهاك فلانة وفلانة قد بَلَغَتا من العلوم شأنًا، وأنت أحقُّ بها وزنًا، وغدًا يكبر الأولاد، ويتزوجون ويذهب كل واحد لحاله، وتبقينَ في بيتك بلا أنيس، والعلم قد ضاع بلا شهيد.

واستمرَّ الخاطر لحظات يُلِحُّ عليَّ: "أَمَا من مَجلسِ علمٍ تُعلِّمين فيه ما تعلمتِ؟ أما من مجلس فقه تستزيدين منه ما بدأتِ؟

فابتسمتُ للحزن بسخرية واستهجان، وقلت: أعوذ بالله من الشيطان، ما ضاع عمري ولا فَسَدَ عِلمي، بل لقد فقهت تَمام الفقه، وتعلمت الدَّرس الحق، وإنَّ بيتي وأولادي بي لأحقُّ، فما أن قلتها، حتى خَنَسَ الخاطر، واختفى وانشرح الصَّدر واكتفى، فتعجبت يومئذٍ من إلقاء الشيطان خاطرَ خيرٍ في الظاهر؛ لينالَ منك، ويكتفي بانشغالك بالمفضول عن الفاضِل، فيرضى بأن يبخسك حظَّك من الأجر؛ طمعًا في إيقاعك بشيء من الوِزْر.

ومن يومها يَمر عليَّ الخاطر داعيًا إيَّايَ للعمل، وطلب العلم في مُقابل [1] ( http://alukah.net/Social/0/8977/#_ftn1) إهمال تربية أولادي ومُتابعة تعليمهم، فأزجره، حتى كبُر الجميعُ، ووجدت في وقتي خفة، وفي قلبي همة، فعدت - والعود أحمد - للعمل، والطلب الجد، والتدريس، والمجالس ذات الجهد، لكن هذا صار بعد أن حصلت فقهًا لم أعهده من قبل، فقه العلم للعمل، وأزهرتُ في بيتي وأولادي الأمل، فأدَّيت رسالتي على أكمل وجه بفضل الله وكرمه - سبحانه - فما أشتهي أن لي الدُّنيا بما فيها، وأنَّني قدمت حظَّ نفسي قديمًا على بنائي ذاك الصَّرح العظيم".

ـــــــــــــــــــــــ

[1] ( http://alukah.net/Social/0/8977/#_ftnref1) نلاحظ ليست المشكلة في طلب العلم، ولا تدريس العلم، وليست المشكلة كذلك في عمل المرأة أعمالاً لا تُخالف الشرع، بل أشد المشكلات هي ترجيحُ كِفَّة على كِفَّة البيت وتربية الأولاد.

ـ[أم أُنَيْسَة]ــــــــ[14 - 12 - 10, 05:11 م]ـ

سلمت يداك أخية نرجوا من الله أن يجعلنا من القانتات الصالحات الراعيات اللواتي كانت قدوتهن أمهات المؤمنين رضي الله عنهن.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير