[وهل تضاءلت عروش الملوك إلا عند منابر العلماء؟!]
ـ[طلال العولقي]ــــــــ[03 - 12 - 05, 08:58 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذا كلام جميل في فضل طالب العلم
أكرره دائما وأعيده
يستنهض الهمة ويدفع الفتور
وهو من مقدمة نصائح منهجية لطالب علم السنة النبوية
للشريف حاتم بن عارف العوني - حفظه الله -
والكتاب موجود في مكتبة الملتقى وهو نافع للغاية
قال - حفظه الله -:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
وصلى الله أفضل صلاة وأكمل تسليم على سيد ولد آدم المبعوث رحمة للعالمين محمد عبد الله ورسوله، وعلى آله وأصحابه والتابعين:
أما بعد: فإن طلب العلم من أعظم العبادات، وثوابه يفضل ثواب أكثر القربات، وسبل تحصيله سبل الجنات، تظله الملائكة فيها بأجنحتها خاضعات، وتنزل على مجالسه السكينة والرحمات.
فرضي الله عن سهر تلك الليالي في الجد والتحصيل، وأنعم بتلك الخطى في طلب علوم التنزيل، وأعظم بالزاهدين إلا في ميراث النبوة، الهاجرين المضاجع والأوطان الآخذين الكتاب بقوة.
فإن عجب أحد من هذا الثناء القليل، في طالب العلم الجليل؛ سألته بالله:
هل دبت على وجه الأرض خطى أشرف من خطى طالب علم
وهل حوت الأسحار والأبكار أجد منه في طلبه؟! وهل مر على الأسماع ألذ من دندنة المتحفظين وزجل القارئين؟! وهل امتلأت القلوب هيبة لمثل منكب على كتاب؟! وهل انشرحت الصدور إلا في مجالس الذكر؟! وهل انعقدت الآمال جميعها إلا على حلق التعليم؟! وهل نزلت السكينة والرحمة على مثل الدارسين لكتاب الله العظيم؟! وهل تضاءلت عروش الملوك إلا عند منابر العلماء؟! وهل عمرت المساجد في غير أوقات الصلوات بمثل مجالس التعليم
أخبروني؟ بالله عليكم؟
ثم أسألكم بالله: هل تعلمون خيراً من شاب في هذا العصر، هجر الدنيا وزهد ملذاتها، ونأى بعيداً عن شهواتها، وانعزل عن فتنها التي تستفز الحليم، وانقطع عن إغواءاتها التي تستخف بالرزين، وترك الناس على دنياهم يتكالبون، وهجر من أهله وإخوانه تنافسهم على القصور والأموال والمناصب، فإن مر على اللغو مر الكرام، وإن تعرض له الجاهلون أعرض وقال: سلام؛ وهو مع ذلك شاب في عنفوان الشباب، أمامه مستقبل عريض، وعليه مسئولية بناء جديد، وينظر إلى الأفق البعيد نظرة ملؤها الآمال والأحلام، تفور فيه غرائز الشهوات، ويجيش فؤاده بالعواطف، وتتفجر دماؤه حماساً؛ ثم هو هو ذلك الذي تجاوز هذا كله!! وجعله وراءه ظهرياً!! وأقبل على العلم .. على مرارته، وانكب على الكتاب .. على ملالته، وإذا حن إلى عناق كاعب .. خالفته يدا كاتب، وإذا اشتهت شفتاه أن يرتشف الرضاب .. تمتم ملتذاً بقراءة كتاب؛ قطع الأيام في التحصيل، وسهر الليالي على الدرس والترتيل؛ يقرأ حتى تزوغ عينه، ويكتب حتى تكل يده، ويدرس حتى يكد ذهنه
أخبروني .. من أفضل من هذا
مع ذلك فإنه يرى أن الذي هو فيه: هو الحياة حقاً، وجنة دار الفناء صدقاً، يرحم أهل الدنيا، ويحنو على أبناء الملذات؛ لأنه يعرف أنه على برنامج العلماء، ومنهج الأولياء، وخطة الفقهاء، وغاية الكبراء، ومعارج الأتقياء.
فيترنم بقول القائل:
لمحبرة تجالسني نهاري
أحب إلي من أنس الصديق
ورزمة كاغد في البيت عندي
أحب إلي من عدل الدقيق
ولطمة عالم في الخد مني
ألذ لدي من شرب الرحيق
ولست أنا بالذي يذكر فضل طالب العلم، إذ قد رددت ذلك المحاريب وأصداؤها، وضجت به أروقة المساجد وقبابها، وتعبد بترتيله المتهجدون، وتقرب بتدبره أهل العلم الراسخون؛ وقبل ذلك نزل به الروح الأمين، على قلب سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم؛ وقبل ذلك تكلم به الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم؛ فقال تعالى: في الحث على سؤال التعلم – الذي هو أول درجاته – (فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) النحل: 43، وقال عز وجل في الأمر بالرحلة لطلب العلم: (وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) التوبة:122، وما أمر سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم بطلب الزيادة في شيء في الدنيا، إلا من العلم، فقال تعالى: (وقل رب زدني علماً) طه:114؛ وأشاد سبحانه – أيما إشادة – بفضل أهل العلم، ورفع من شأنهم، وأعلى من قدرهم، بما يعجز عن بيانه إلا البيان المبين، من كلام رب العالمين، فقال عز من قائل (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم) آل عمران: 18، وقال سبحانه وتعالى: (إنما يخشى الله من عباده العلماء) فاطر: 28، وقال سبحانه (يرفع الله الذين ءامنوا والذين أوتوا العلم درجات) المجادلة: 11، وقال عز شانه (قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون) الزمر: 9.