ومن آخر ما سمعت به: ان عملاً علمياً - ناقصاً - على احد كتب السنة بيع لاحد الناشرين ب «مليون» ريال.
فتعجبت على طغيان المال على العمل، وتقديم حظ النفس على خدمة تراث الامة، فقلت متسائلاً:
لو ان سلف الامة ادركوا عصرنا هذا، ورأوا النهم في التجارة بالعلم، وبالكتب العلمية، فبكم سيبيع ابن الجوزي حقوق كتابه: «زاد المسير»، وبكم سيبيع النووي حقوق كتابيه: «رياض الصالحين»، و «الاذكار» وبكم سيبيع ابن القيم حقوق كتابه «زاد المعاد»، وبكم سيبيع ابن كثير حقوق كتابه «تفسير القرآن الكريم»؟
ولو كان ورثة هؤلاء الائمة احياء وعاصروا التجارة المادية في كتب العلم، هل سيفعلون هذا؟ وان فعلوا فبكم ستكون حقوق كتب مورثيهم التي استفاد منها تجار الكتب مئات الآلاف، بل الملايين؟
وهل سيرضى ورثة الامام البخاري بأقل من عشرة ملايين، ليتنازلوا عن حقوق «الصحيح»؟
او انهم سيقولون - المصنفون وورثتهم - لدور النشر: خذوا هذا الكتب العلمية، واطبعوها وانشروها بين الناس بسعر مناسب، وادعوا الله ان يرحمنا، ويدخلنا الجنة، فهي لكم حلال بشرط العناية بالصف والتصحيح والمراجعة وجعل جزء من ارباح الكتب مصروفة في بناء المدارس، والاوقاف، ودعم حلقات العلم في الدول الفقيرة، لتكون صدقة جارية ينتفع بها المصنف بعد موته.
ان ما يحدث اليوم يعد - بحق - جريمة في حق العلم وطلابه، ولاشك ان هذه المبالغ الكبيرة سينعكس اثرها على قيمة الكتاب مطبوعاً، الذي سيتحمل هذه المشقة هم طلاب العلم، كان الله في عونهم.
اخي القارئ: اكتب لك هذه الاسطر والقلب يحترق حسرة على ذهاب الديانة والورع، من بعض المحققين، فمن يحمل هم نشر العلم بين المسلمين ان كان بعض القائمين عليه يتاجرون به.
«مزالق متنوعة»
وبعد الانتهاء من هذه المزالق المبوبة، اذكر على عجالة مزالق متنوعة، يقع فيها بعض المحققين:
فأقول وبالله التوفيق:
«21» من المزالق: قيام بعض المحققين على تحقيق كتاب علمي، وهو في اول مراحل العمل، ويبلغه ان احد المحققين يعمل على الكتاب نفسه، وسلك فيه طريقاً طويلاً ومع ذلك يعمل عليه، ويكرر الجهد، وكان الاولى ان يصرف جهده في كتاب آخر.
واقصد بكلامي هذا الكتب العلمية المتخصصة.
اما التكرار في تحقيق الكتب المشهورة، والمطلوبة، ك: «رياض الصالحين»، «الاذكار»، و «عمدة الاحكام» و «بلوغ المرام» و .. ونحوها، فلا حرج فيه ان شاء الله، لبركة هذه الكتب، ولحاجة الناس اليها.
«22» ومن المزالق: تحقيق الكتاب، وطبعه بغرض الاساءة الى تحقيق سابق، وللطعن فيه، وضربه في السوق، وليس لأجل خدمة الكتاب، والعياذ بالله.
وقد اقدم احد الباحثين على تحقيق كتاب كبير، وفي اثناء عمله فيه، وبعد ان نشر منه عدة اجزاء، قام جماعة من المحققين بإخراج جزء من الكتاب ومن وسطه، وتكلموا في مقدمة تحقيقهم عن هذا الكتاب وانهم ساعون في طبعه، وتعرضوا لطبعة السابق - الذي له فضل السابق ولايزال يسعى لاتمام تحقيق الكتاب - بالنقد، والتجريح، ثم ماذا؟
لما رأى هؤلاء اجتهاد هذا الرجل، وانه ساع بكل جد لإخراج بقية الكتاب، وان ما اخرجوه، وما قالوه لم يثن الرجل عن عزيمته، توقفوا عن الاستمرار في الكتاب، واكتفوا بالاجزاء التي اخرجوها من وسطه.
فإن كان قصد هؤلاء ثني هذا الرجل عن تتمة «تاريخ الاسلام»، واحباط عمله، فالله حسبهم، والقوة لله.
«23» بعض المحققين يجتهدون في اخراج الكتب العلمية بكثرة، وعلى ما في عملهم من خلط وخبط الا ان ما طبعوه كان ولايزال عمدة في عمل الباحثين، لعدم توافر نسخة اخرى، وهذا امر معروف.
ثم يقوم بعض الافاضل بالتجريح في هؤلاء والتحذير منهم، وانهم يعبثون بالتراث ويجب وقفهم .. وهذا امر معروف ايضاً.
ولكن الاشكال يرد عندما يقال لهؤلاء المنتقدين - وهم على حق - اذا تركنا هذه الكتب بهذا التحقيق، ماذا نصنع؟ ولماذا لا تضعون البديل، فتقومون انتم بتحقيقها من جديد ونفع الامة بها؟
والغريب ان بعض من يتكلم على هذه الطبعات، وينقدها، مغرم بتحقيق الكتب ذات الطابع التجاري، التي قتلت طبعاً، وتحقيقاً، ككتب: ابن الجوزي، والنووي، وابن القيم، والسيوطي .. رحمهم الله.
¥