تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أ ـ نشر الكتب ـ أيّها المكرم ـ إحدى وسائل نشر العلم والخروج به من طيّ الكتمان، إلى نور البلاغ والبيان، ومن وفّق إلى استحضار النّيّة الخالصة، وانتقاء الكتب النّافعة التي تخدم الكتاب والسّنّة وتنشر بين النّاس الفضائل والمكارم، فحيّهلاً بجبال من هذه الكتب، ونعم الحمّى التي تحمل أفراد الأسرة التّراثيّة لتتكاثف جهودها لانتقاء تلك الأعلاق النّفيسة وتحقيقها ونشرها. أمّا المحذور فهو تكالب دور النّشر على طبع كتب الرّذائل والفواحش والإلحاد والعلمانيّة والسّحر والشّعوذة والخرافات والبدع، وما زلنا نشكو إلى الله ممّا تدفعه أرحام بعض دور النّشر البيروتيّة في بلدان شتّى ومنها بلدنا الحبيب الجزائر، ولا داعي للتّسمية. والمقصود أنّ عمليّة النّشر تقيّم من خلال ما تعلّق بها من صفات، وخالطها من منشورات، فحسنها حسن وسيّئها سيّء.

ب ـ إن كنت تشير إلى عمليّة الإكثار من التّحقيق فأخوك أضعف من أن يكون مكثرا، فما نشرت مذ بدأت التّحقيق من قرابة ثلاثة عشر عاما سوى: الآيات البيّنات لابن دحية، وشرح الحديث المقتفى لأبي شامة، وشرح السّنة للمزني، واعتقاد أهل السّنّة للإسماعيلي، ووصيّة الذّهبيّ للسّلاّمي، وجزء في سين بلال رضي الله عنه للخيضري، وأداء ما وجب في بيان وضع الوضّاعين في رجب، ولو قسّمت هذه على الثّلاثة عشر عاما، لوجدتّ تقريبا كلّ كتاب بحولين كاملين، فكيف ترمي يا حمادو أخاك: " بحمّى طاعون النّشر "، وهي كتب أتعبت ـ علم الله ـ أخاك، وتعالج كما ترى جانب السّنة والسّيرة والاتّباع، فهل مثلها يمدح ويشكر ويشجّع صاحبها أم يرمى بمثل ما رميته به من " الشّهوة " و" الاستكثار " و" القرصنة ". دعك ـ أيّها الفاضل ـ من عبارات الفحش والتّفحّش فإنّ الله يبغض الفاحش المتفحّش، واليهود ـ لعنهم الله ـ لمّا أجابتهم أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها بمثل ما أجابت نبّهها الرّسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم إلى الرّفق والتّؤدة وقال ـ بأبي هو وأمّي ـ: " إنّ الرّفق لم يدخل في شيء إلاّ زانه، ولم ينزع من شيء إلاّ شانه ". هذا وهم اليهود الذين حرّفوا كلام الله، فما بالك بأخ لك يكنّ لك الودّ نشر كتابا يذبّ عن سنّة رسول الله، واعتمد على نسختين إحداهما بخطّك، فارتكب في نظرك جرما يوجب اتّهامه بـ: " الشّهوة " و" الاستكثار " و" القرصنة " و حمّى طاعون النّشر "!!.

أمّا شهوة حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وحبّ كلامه والفرح والسّعادة بنشر ما تيسّر من كتب الحديث وأجزائه، فأنعم بها من شهوة، وأرجو لي ولك بها القربة عند ربّ العالمين، والحشر في زمرة سيّد الأنبياء والمرسلين.

وأمّا: " نهمة الاستكثار ولو بقرصنة جهود الغير " فليس أخوك ـ يا أبا الطّيّب ـ والله من هذه الطّينة، ولا ألف ذوق هذه العجينة، ولا أسعى إلى الإكثار، فإنّي أعلم يقينا كما تعلم أنّ الإكثار عثار. وأمّا تشبيهك لأخ لك في الإسلام بالقراصنة الذين اعتادوا على أكل الحرام، وارتكاب الفواحش والآثام، فأقول كما قال الشّاعر الحكيم:

رماني بأمر كنتُ منه ووالدي ****** بريئا ومن أجل الطَّوِيِّ رَمَانِي

وأمّا جهدك الذي تلمح إليه فغايته نسخك لمخطوط أشاد به أخوك رغم ما فيه من تصحيفات وتحريفات، وتعتبر أنّ الاستفادة من نسخة وضمّ نسخة أخرى إليها أقدم منها باعتبار المآل قرصنةً لجهودك، تالله لو يسّر المولى لنا نسخة الأصل ـ وعسى ذلك قريبا ـ ما أعار أخوك لنسختك قيمة، ولا اعتمدها في قراءة نصّ هذا الكتاب، لكنّه اضطرّ إليها اضطرار مستعمل التّيمّم بدل الماء، ولو وجد الماء لبطل التّيمّم، كبطلان نسختك فيما إذا وجد الأصل المفقود، الذي اكتحلت به عينُ أخيك قبلك بدهر فأشدتُّ به وأخبرتُ به فضلاء القوم، واكتحلتَ به لاحقا ونسخته ففزعت وحذّرت وهددتّ، واستكثرت على العبد الضّعيف ما استكثرت.

ج ـ وإن كنت تشير بالاستكثار إلى ما وفّق إليه بعض إخواننا الجزائريّين من جيرانك في منطقتك من تحقيقات لبعض مصادر كتب الحديث، وعجزت أنت أن تحاكيهم في عشر ما حقّقوا، فهذا شيء يفرح به ولا يحزن من أجله؛ لأنّ بلادنا ـ أيّها العزيز ـ تشهد حركة علميّة نشطة وظهر على السّاحة إخوة لنا من أهل الجزائر أبدعوا في تحقيقاتهم، وأجادوا في تعليقاتهم، وهذه بشرى يفرح لها المؤمنون جدّا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير