تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كانت هذه هي وجهة نظر أبي فهر، وتبعه على هذا جمع من فضلاء المحقّقين، والعبد الضّعيف صار هذا صنيعه فيما ينشر من تحقيقات: " قرأه وعلّق عليه "، للإشارة إلى انصباب الجهد على ضبط النّصّ ضبطا صحيحا، ومع هذه النّظرة ـ وهي واضحة ومعقولة ـ رفض بعض الأخيار هذا الأسلوب وقالوا: بل كلمة: " قرأه وعلّق عليه " تشير من بعيد إلى شيء من التّعالي والغرور، وأنّ فاعل ذلك حاشرٌ نفسه في زمرة أولئك الميامين!

يا جماعة:

أحبّ الصّالحين ولستُ منهم ***** وعند الله في ذاك الجزاءُ

وقالت دور النّشر: دعنا من جملة: " قرأه وعلّق عليه " وثبّت: " دراسة وتحقيق "، لأنّها الدّارّة أموالا، الجاذبة نساء ورجالا، ولسان حالهم: " أتستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير".

إنّ التحقيق ـ يا أبا الفضل ـ قبل أن يكون تعاملا مع خطوط الأعلام، هو مراقبة لحظوظ الأوهام، وخشية للملك العلاّم، فتدثّر بأخلاق أهل الإسلام، ودن ـ في الإرخاء والسّتر ـ بتعاليم سيّد الأنام، ولا تستكثر على من سبقك إلى معرفة أصول التّحقيق بزمن ما استكثرت، وترميه ظالما بتلك الدّواهي التي زبرت.

ب ـ وقولك: " وشقّ على نفسه وقوفي عليها " فجوابه ـ وأيم الله ـ أنّني سررت بوقوفك عليها، وفرحت بوصولها بين يديك، كفرحك فيما أظنّ بوصول منتسختك إلى أخيك، ولكن يمكنني القول تبعا لقول الشّاعر:

ومهما يكن عند امرىء من خليقة ***** وإن خالها تخفى على النّاس تعلم

لقد تيقّنتُ الآن بسبب ما تفوّهت به أنّه فعلا شقّ عليكَ وقوفي على منتسختك، لأنّك تعلم أنّ أخاك ـ ولا أمدح نفسي ـ جادٌّ فيما اقتنع بقيمته من مخطوطات وعزم على تحقيقها، ويعمل واصلا ليله بنهاره من أجل إعطاء تلك المخطوطات ما تستحقّه من عناية، وتحتاج إليه من فهم ودراية. والذي يؤكّد لك ـ أيّها الأخ الكريم ـ أنّه لم يشقّ عليّ وقوفك على نسخة الجامعة أنّ مخطوطات هذه مباحة لكلّ من رام تصوير المخطوط، بيسر وسهولة دالّين على فضل تلك الجامعة المباركة، ومساهمتها الجادّة في نشر ما اجتمع لديها من كنوز المخطوطات. وكان بإمكانك لو بخل أخوك الفقير أن تكلّف أحد معارفك بالمدينة ـ وهم كثير ـ أو أحد الحجّاج والمعتمرين ـ وهم أكثر، بطلب تصوير مخطوطة أبي شامة، لكنّك عوض ذلك كنت تشوّه صورة أخ لك في الإسلام، وكنتُ أستغرب ممّن ألقى من حجّاج بيت الله الحرام ما ينقلونه عنك، ويستفسرون عن حقيقة ما يدندن به أبو الطّيّب في مَجالسه ومَحالسه، ويذكره مع مُؤانسه ومُجالسه، فأخبرهم بحقيقة ما جرى، وأجلّي لهم صواب ما أرى، وخطل ما تهذي به من ظلم وامتراء.

أنّى ـ يا أبا الطّيّب ـ يشقّ على نفسي وصول مخطوط بإمكان كلّ أحد تصويره، بل أنت الذي شقّ عليك وصوله إلى يد أخيك، ولذلك شرطت ذلك الشّرط الباطل: أن لا تطوله يد أحد من خلق الله، ورحم الله شيخ الأندلس ابن حزم رحمه الله الذي كثيرا ما يقول في مناقشاته ومحاوراته: كلّ شرط ليس في كتاب الله فهو باطل.

ثمّ ـ يا أخا الإسلام ـ دع عنك " كأنّ " وأخواتها ـ وهي تشير إلى ضعف ما ترى، وعدم الجزم بما إليه مثلُك قد انبرى، وتكلّم بعلم أو اسكت بحلم، وثق تماما أنّ ربّ العباد أدرى بكوامن نفوس عباده " وربّك يعلم ما تكنّ صدورهم وما يعلنون "، ولا ترجم بالغيب متّهما أخاك بشيء اختلج في صدره فيما تظنّ، والحقّ أنّ ذلك بك أولى وأحرى. وأعلم من نفسي ـ والله شاهد على ما أقول ـ أنّني كنت أثني عليك عند الأصحاب، وأدافع عنك عند الأحباب، ولكن صدق ظنّهم فيك، وبدا لهم ما لم أكن أعلم من خوافيك.

9 ـ قولك ـ حفظني الله وإيّاك ـ: " واستكثرها عليّ بل على كلّ أحد غيره، وكبر عليه اشتغالي بتحقيقها حتّى قفز إليها أيضا نسخا وتعليقا ونشرا! ".

وجوابه من وجوه أهمّها:

أ ـ من أكون حتّى أستكثر على أخي خاصّة أو على كلّ أحد سواي كما تقول، ومعنى ما ترمي إليه ـ هُديتَ ـ أنّ العبد الفقير لا يرى قيمة تذكر لجهود المحقّقين، وأنّ الموجودين لا يجوز لهم أن يعملوا على تحقيق كتاب وقف عليه المتكلّم؛ لأنّهم ليسوا أهلا له، والمتأهّل الخرّيت هو أخوك! أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين، ما أنا إلاّ مسكين أحبّ تراث الأعلام، وأسعى جاهدا أن أستفيد من الشّيوخ والأقران، كما هو ديدن طلبة العلم في كلّ زمان ومكان.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير