أ ـ صدق المثل الجزائري القائل: " لا تَامَنْ طَالَبْ عْلَى وَرْقَه وَلاَ قَطّْ عْلَى مَرْقَه " يعنون: لا تأمن طالباً على ورقة، ولا قطّا على مرقة، ويشيرون إلى كثرة سرقة الكتب من خزائنها، ووجوب أخذ الحيطة والحذر ممّن يسلك هذا المسلك مع تراث الأعلام. ولعدم تطبيق الصّرامة في الحفاظ على أصول الكتب ضاعت النّسخة الأصليّة من مجموع أبي شامة.
ذكرت هذا تنبيها لأخذ الحيطة، وتحذيرا من سلوك أخلاق أهل الخَبْطَةِ والغَيْطَة.
ب ـ أمّا أنت ـ يا أبا الطّيّب ـ فمن الذي اتّهمك أنّك نهبتَ النّسخة من تلك الخزانة، وما بلغ ظنّ إخوانك بك هذا المبلغ من سوء الظّنّ، فارفق بهم هديت. وأقوى دليل على براءتك ـ يا محبّ ـ أنّك تنوي إخراج الكتاب على منتسختك، أفيعقل أنّ تخفي يا أبا الفضل النّسخة الأصل وتعتمد الفرع، وظنّنا الحسن بك أن لو كان الأصل بيدك لبادرت إلى إظهاره واعتماده في نشرتك التي وعدتّ بها.
ج ـ نعم أنت ما نهبتَ لكنّك نهيتَ أن تراها الأنظار، وطلبت الإنظار، حتّى ترى نسختك الطّباعة في الأنوار، وانتظرنا فما رأينا لك أثرا من الآثار.
د ـ نفيتَ ـ يا محبّ ـ عن نفسك أنّك نهبتَ النّسخة، والنَّهْبُ في اللّغة أخذ الشّيء قهرا، أي أخذه بقوّة وغلبة وتسلّط، ومثل المخطوط الأصلي لا إخال أحدا يأخذه بتلك الصّفة، إذا لافتضح أمر النّاهب، وعدّ عمله من أعظم المثالب. لكنّي أجزم أنّ المخطوط أخذ على حين غفلة من أعين النّاس، واختلسه أحدُ تلاميذ الوسواس الخنّاس.
هـ ـ لا أقول لك: نهبتَ النّسخة لكنّك نهمتَ في انتساخها، ونهيت عن اعتمادها، ونهرت عن رؤيتها، وهممت إلى تحقيقها، وهربت كلّ هذه المدّة عن إخراجها، واجتمعت لأخيك أسباب إخراجها قبلك بزمن، ويسّر له المولى نسخة عليّان وهي متقنة رفيعة، ومننت بفرعك عن الأصل المشهود قبلك ولا فخر، فماذا نحن فاعلون لنهبتك ونهمتك ونهيك ونهرك وهمّك وهربك.
و ـ وأسأت الأدب حين ذكرت في هذا السّياق أمّنا وأمّ المؤمنين عائشة الصّدّيقة بنت الصّديق وألمحت إلى براءتك من سرقة المخطوط براءة أمّ المؤمنين ممّا رماها به أهل الإفك، فنزلت براءتها بعد محنة شديدة من فوق سبع سماوات، وبرّأها الله في آيات تتلى إلى يوم القيامة. وهي قصّة هائلة ومحنة نازلة تدمع ـ والله ـ عيني كلّما قرأتها، وتقرّ لمّا أتلو آيات البراءة بعدها. يا أبا الطّيّب لا يوجد أهل إفك افتروا عليك تهمة السّرقة سوى في مخيلتك، ولئن فرضنا رموك بذلك عن قوس واحدة فما إخالك تنتظر آيات تنزل ببراءتك من السّماء، فقد انقطع الوحي، وتمّت الرّسالة، وقامت الحجّة بالكتاب، واكتمل البيان بسنّة خير الأنام، وغاية أمر أخيك نشرة كتاب أشاد فيه مؤلّفه بضرورة العودة إلى كتاب الله وسنّة رسول الله، فما بالك هوّلت وهَبِلْت وهذيت وهرفت.
إنّ أمّنا الصّدّيقة لم تكتحل عينها الكريمة بالنّوم شهرا من هول ما سمعت، ولجأت إلى المولى جلّ جلاله وشكت إليه بثّها وحزنها، فكشف كربتها، وأثبت براءتها، وأنت ـ يا فاضل ـ لم تكتحل عينك بنوم بعد رؤية نشرة أخيك، وما قرّت نفسك ولا استقرّت، بل أصبت بدهشة عظيمة، وهزّة عنيفة، كانت تسكن لو أحسنت بأخيك الظّنّ، والتمست له العذر، كما هو شأن أهل الإسلام، وديدن أهل الإيمان، لكنّك أزبدتَّ وأرعدتّ، واتّهمت وارتعدتّ، ورميت محبّا لك بإفك هو منه برىّ، ووصف أنت به حريّ.
14 ـ قولك ـ حفظني الله وإيّاك ـ: " ولا مناص من أن ألقي باللاّئمة أيضا على من كان صاحبي في الطّلب الأخ محمّد تقمونين حيث أخذ منّي صورة من منتسختي الخطّيّة لخطبة الكتاب المؤمّل ومعها المسوّدة من مقدّمة تحقيقي لها، على أن يستفيد بها لنفسه حسب، وشرطي عليه أن لا يخرجها لأحد ريثما أفرغ من العمل عليها، فأخذت منه العهد الوثيق والميثاق الغليظ بصيانتها عن الأنظار والأخطار".
جوابه من وجوه أهمّها:
أ ـ أنّه لا لوم على صاحبك في الطّلب ـ كما تقول ـ الأخ الفاضل محمّد تقمونين لأنّ شرطيك فيما وهبت من فرعك باطلان، وما بني على باطل فهو باطل.
¥