6 ـ ثمّ أدلّك على خير من هذا السّباق ـ يا أخا الإسلام ـ وهو المسابقة إلى نيل مغفرة أرحم الرّاحمين، ونيل جنّة عرضها مثل السّماوات والأرضين: " سابقوا إلى مغفرة من ربّكم وجنّة عرضها كعرض السّماء والأرض "، فلعلّي وإيّاك نكون بمثل هذه المسابقة والمسارعة من الذين قال فيهم: " أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون ". لا من الذين قال فيهم ـ والعياذ بالله ـ: " وترى كثيرا منهم يسارعون في الإثم والعدوان ".
19 ـ وقولك ـ أصلحك الله ـ: " وكأنّه ـ إطلاقا ـ لا يهمّ شاكلةَ مثل هؤلاء الإخوان الذي قلّ حظّهم من الهدى والورع والصّواب في هذه المسألة! إن أدّى ذلك إلى خدش جناب ومشاعر الأخ الذي قام بإنقاذها، والعمل أيّاما ثمينة عديدة على نسخها واستظهار حروفها وعباراتها و .. و ".
جوابه من وجوه:
1 ـ غاية ما صنع أخوك نشر الكتاب على نسخة شيخ السّنّة الكاملة نصّا التّامّة ضبطا وأرسلها إليك، واستأنس بفرعك عن الأصل المفقود الذي عاينه قبلك بدهر وصرّح باسمك وأثنى عليك، وأخبرك في تلك المهاتفة بتهيّؤ أسباب نشره لأخيك، وسروره بما هممت به أنت أيضا من رغبة وتفكير في طبعه، وبعد هذا تكشّر عن أنيابك، وتفصح عن إيذائك، وترمي شاكلة إخوانك، بقلّة حظّهم من الهدى والورع والصّواب في هذه المسألة، ومن قبل رميت أخاك بحمّى طاعون النّشر، وشهوة الحديث، ونهمة الاستكثار ولو بقرصنة جهود الغير، ولو أمعنت النّظر ـ يا مسكين ـ لأدركت أنّك أنت الأولى بتلك الخلال، والأقلّ حظّا وهدى وورعا وصوابا في هذه المسألة وفيما هو أعظم منها، لو كشفنا مستور سمتك، وجلّينا عن مخبوء شكلك، وفصّلنا القول عن أسباب سقوط العدالة، لوجب شرعا طرح ما تتفوّه به من الزّبالة.
2 ـ أمّا قولك: " إن أدّى ذلك إلى خدش جناب ومشاعر الأخ " فجوابه أن أقول: يا جناب العمدة، يا لرقّة مشاعرك، ورهافة إحساسك، نأسف جدّا إذا خدشت نشرةُ أخيك جنابك العالي، ومقامك الغالي، وكان عليك أن تبادلنا بعض عبارات الحسّ المرهف، وتنأى عن أساليب الشّتم المقرف، الدّالة على غلظ الأحاسيس، لا دلال الطّواويس.
والمقصود أنّ تأثّرك وخدش جناب مشاعرك أمر لا مبرّر له، وقد ذكر أخوك اسمك في نشرته فلماذا تتأثّر، وأبان عن توفيق الله لك في نسختك فلماذا تتعنتر، أم ترغب منّا بسبب نسختك المخدوشة، وكتابتك المرعوشة، أن نديم ذكرك ليلا ونهارا، ونبالغ في مدحك سرّا وجهارا، ونشيد بجهودك في الأمصار، ونقترح كتابة أطروحات علميّة عنك في الأقطار، ونستأنس بتوارد اسمك في الحواضر والقفار، وأنت نكرة لم يدخلها التّعريف والإشهار.
3 ـ اعلم ـ يا محبّ ـ أنّ ميدان التّحقيق مرتع خصب لورود سهام النّقد الموجّهة إلى أسرة المحقّقين، وهو نقد هدفه الارتقاء بتحقيقات الكتب إلى الأمل المنشود، والمطلب المحمود، فلئن عزمت على ولوج هذا الخضمّ فعليك أن تتحلّى بالعلم والقّوة والثّبات والصّبر والاستعداد لتقبّل عبارات نقد النّاقدين، وتنأى عن الضّعف والخور والتّأثّر وخدش الجناب ... الخ فكن ـ رعاك الله ـ من النّابهين.
4 ـ إن خُدش جنابك وجُرحت مشاعرك بسبب نشرة علميّة، على نسختين أصل وفرعيّة، وإشادة بك نقيّة، فها أنت قد رميت أخاك بقلّة حظّه من الهدى، والورع، والصّواب، وحمّى طاعون النّشر، وشهوة الحديث، ونهمة الاستكثار ولو بقرصنة جهود الغير، وغير ذلك من فحش الكلام، وعبارات اللّئام، التي تخدش عادة جناب النّفوس، وتحدث أغوارا في المشاعر كالفؤوس، لكنّي والحمد لله لا أبالي بما تتقيّا، ولا أرنو إلى ما تتهيّا، إن فهمت يا أخيّا.
5 ـ وقولك: " قام بإنقاذها " تعني أنّك انتسخت فرعا عن أصل شاهدناه جميعا ثمّ فقد، فكانت نسختك الفرع الوحيد المنتسخ عن ذلك الأصل، وهذا تماما ما ذكره أخوك عنك مرارا وتكرارا، لكنّي أنبّهك ـ يا إنسان ـ أنّ فرعك هذا ليس هو النّسخة الوحيدة في العالم، بل توجد نسخة بخطّ عالم جليل هو عليّ بن أيّوب المقدسي، وهي التي اعتمدها أخوك أصلا، واستأنس بفرعك وشكرك، وفوجىء بقرعك وسَكَرِك.
6 ـ نعم قمت بإنقاذها،، ومنعت ـ بشرطك الباطل ـ من إيفادها، وحسدتّ من قام بنشرها وإيقاظها وإيقادها، وحسبنا الله ممّن كان السّبب في إنفادها وإنفاذها.
¥