6 ـ نعم صرّحتُ في مقدّمة الكتابين أنّ صاحبنا الفاضل قد قابل معك خطبة المؤمّل كلّها، وأنت تستدرك وتقول: إنّه لم يقابل معك سوى بعضها، فأنا أستغفر الله من هذا الزّلل، وأسأله السّداد في القول والعمل، وأحمده أن كشف بقلمك أنّ منتسختك غير مقابلة، وقد قال العلماء: " من كتب ولم يقابل، فليرم في المزابل ". فاعمد ـ هُديت ـ إلى مزابل وادي " الحرّاش "، أو قمامات شاطىء " لافارش "، واحرق نسختك كالفراش، وادفنها كبالي القماش، وأرحنا بعدها من الأذى والهراش.
7 ـ وقولك ـ أصلح الله حالك ـ: " ولعلّ الفهم كذلك في مخيلته ... "، تشير إلى أنّ ما قرّره أخوك من مقابلة الشّيخ محمّد معك خطبة المؤمّل جميعا ضرب من الخيال، وفهمنا من استدراكك أنّ نسختك صارت هباء منثورا ليس فيها قوّة الحبال، ولا صلابة الجبال، وقد فقد الأصل فبطل فرعك وزال. أمّا مخيلتي فهي خير من محبلتك، الدّالّة على مخبلتك، وقد تخيّلتك حافظا لودّ إخوانك، مشيدا بجهود أهل بلادك، فإذا بك شاتم ناقم، وتتظاهر برهافة حسّ وجناب ناعم.
8 ـ وقولك: " ... أنّ تقمومين قابل معي نصّ هذه الخطبة كاملا، وكذا كتاب المبعث " قد فهمنا من تصريحك بأنامل بَنانك، أنّ المبعث والخطبة صارا نسختين مهملتين، وفرعين منسيّين، وبرئت عهدة أخينا الشّيخ تقمونين من تصحيفاتك وتحريفاتك.
8 ـ وقولك: " وهذا خلاف الواقع والزّعم، فإنّه ما رافقني لرؤيتها لمقرّ الوزارة سوى مرّة واحدة يتيمة فيما أذكر وأتيقّن " ولا أظنّه سيرافقك فيما يستقبل بعد من حياته بمشيئة الله لا إلى مقرّ الوزارة، ولا مخطوطات القرارة، ولا مكتبة الحامّة ذات الفخامة والإنارة، فقد كشفت عن بخل شديد، ومنٍّ " يْطَيَّحْ القَدِّيدْ "، ولا إخال بخيلا مانّا يبقى له في الدّنيا صاحب وصديق، أو يدوم له خليل ورفيق، وصدق الشّاعر الحكيم حين قال:
وللمرء خِلٌّ في الحياة ولا أرى ***** بخيلا له في العالمين خليلُ.
9 ـ وقولك: " وما نظر فيها سوى ساعة من نهار على عجل إذ كان على أهبة السّفر "، وما أبركها من ساعة ولو قلّت، وعجلة ولو كلّت، وقد أكّدتّ ثانية على خلوّ منتسختك من مقابلة سوى مقابلة قدرها ساعة من نهار على عجل، فلا تعجل يا أخيّ حمادو، وزر أقرب مقبرة إليك لترى فيها من ذهبوا وبادوا، لتتذكّر وتنصف فيما تسقبل من حياتك من أحبّوك قبل وسادوا، ونشروا أعمالا وشادوا، وأكرمهم بالمدينة النّبويّة فعادوا.
10 ـ وقولك: " ألحّ حينها على أخذ صورة من منتسختي لكي يستصحبها معه "، الإلحاح: هو المواظبة على الشّيء، والشّيءُ الملحوح عليه هنا هو أخذ صورة من منتسختك لكي يستصحبها ـ كما تقول ـ معك، وفعل صاحبنا محمّد دليل على حبّه لك، وفضله عليك، إذ كان أوّل شخص أدخل إلى المشرق فرعَك، وألحق بالنّسّاخ اسمَك، فكان الواجب أن تشكُرَه، لا أن تتّهمه وتَكْفُرَه، ثمّ إلحاحه هنا محمود لأنّه في طلب العلم واقتناء الكتب، وما زال أهل العلم والفضل قديما وحديثا يلحّون في اقتناء ما ندر من كتب، وما ذكرتَ من استصحابه معه هو من مناقبه وفضائله، وشيمه وشمائله، فما زال العلماء وطلاّب العلم يستصحبون معهم في أسفارهم ما طاب لهم من كتب، والشّاعر قديما قال:
نعم الرّفيق في الحياة كتابُ ****** تلهو به إذا خانك الأصحابُ
وأنت ـ يا أبا الطّيّب ـ أبيت إلاّ أن تلحّ في ذمّه، وتلج في رميه، وتلحق به الأذى، وترميه بالقذى، فشتّان بين الإلحاحين، وفرق ـ هُدِيتَ ـ بين الإلحاقين.
11 ـ وقولك: " لاسيّما مع تعذّر تصوير الأصل المخطوط لانعدام الوسائل بالوزارة، وكذا لوجود قانون يمنع من إخراجها فليعرف هذا " وهذا يقوّي مسلك صديقك، وصنيع رفيقك، إذ ألحّ مع انعدام التّصوير، وحرص مع تعذّر الإخراج، وجعل الله الفرج على يديك فنسخت، ثمّ جزعت وهلَعْت، وأعطيت وشرطت، وذممتَ ومسخت، وقلت: " فليعلم هذا " فقلنا: قد علمنا وشكرناك، وفي المقدّمة ذكرناك، ونسخة شيخ السّنّة أعطيناك، وبالمثل بادلناك، وبتحقيقنا أخبرناك، وإلى نشره سبقناك وما سابقناك، ولطبعتك انتظرناك، فماذا تريد هدانا الله وإيّاك، وقد كشّرت عن أنيابك في هذا العراك، وأسأت الأدب مع من أحبّك وحيّاك.
¥