الأوّل: أنّك سيّء الظّنّ بأخيك جدّا حين تظنّ أنّه يسعى بمثل هذه التّحقيقات ليحوز سبقا وتفضيلا، وقد أبنّا لك من قبل ـ لو عقلت ـ أنّ هذا المقصد خبيث يقبح جدّا بمحقّقي التّراث أن تنطوي عليه نفوسهم، أو تقنع به رؤوسهم، وأخشى ما أخشاه وأنت في بداية مشوارك، أن يكون انطبع مثل هذا المقصد في خيالك، فظننت أنّ التّحقيق وسيلة إلى المكانة والشّهرة، والسّبق والحيازة والمكانة عند مقدّمي كلّ زمرة، فإن كانه فادخل بيتك ـ يا محبّ ـ وأقفل عليه برمّانة، وأقبل على الله عابدا مهانا، سائلا إخلاصك والصّيانة، والسّتر والأمانة.
الثّاني: أنّك ـ يا إنسان ـ مبتلى بداء المفاعلة، وما زلت ترمي غيرك بالمنافسة والمسابقة والمفاضلة، ونحو ذلك من مفاعلات، دالّة ما في نفسك من تفاعلات، تكاد تنفجر كالمفاعِلات.
يا أخا الإسلام سبقتُ إلى تحقيق خطبة المؤمّل، وما انطوت نفسي على حيازة سبق مفضَّل، يا حمادو لا تفزع فالميدان لك، وأنت في السّباق وحدك، وما نافسك إلاّ وهمك، هيّا صُلْ فريدا وجُلْ، واجر بعيدا ونِلْ.
44 ـ وقلتَ: " أمّا أنت أيّها الصّاحب (تقمونين) فلقد تلوّث الهواء بيني وبينك ".
أقول: جوابه من وجوه أمثلها:
1 ـ ما هذه الكارثة البيئيّة التي حلّت، والقنبلة الذّرّيّة التي جلّت، حتّى تلوّث هواء العالَم، وفزع لذلك الجاهل والعالِم، واختفت عن الأنظار المعالم، أيّها الجازع الهالع، " المخلوع " الفازع.
2 ـ دع عنك محمّدا لا تهجوه، ولا نحوه بالقبح تفوه:
هجوتَ محمّداً فأجبتُ عنه ... وعند الله في ذاك الجزاءُ
أتهجوه ولست له بكفىءٍ ... (وقلتَ تلوّث بينكما الهواءُ)
3 ـ يا رجل لم يتلّوث الهواءُ إلاّ من جهتك، وصرت تستنشقه بخيشومك ورئتك، فأورث فيك خللا، وأظهر في فيكَ عِللا، أمّا محمّد فالعهد به قريبا نقاءُ هوائه، وبقاءُ صفائه، وما زال يستنشق نسيما عليلا، حتّى أنجز في أطروحته بحثا جليلا.
4 ـ ما أكثر إذاً أصحابك الذين تلوّث هواؤك نحوهم، وفسد ودّك لهم، من أجل نسخة لا لك ولا لهم، بل هو علم مشاع بينهم، ومن أجلها ذممتهم وقَلَيْتَهُم، وشويتهم وقَلَيْتَهُم، ولوّثت الهواء بينك وبينهم!
45 ـ وقلتَ: " إذ خنت بيننا عهدا كان ".
أقول: ما خان محمّد بل حفظ وصان، ولا نقض العهد الذي كان، فقد طلب منّي الاستئذان، منك يا ذا الجناب والشّان، فاتّصلت بنا " زمان "، وطلبتَ منّا نسخة شيخ السّنّة عُلَيَّان، التي اعتمدناها أصلا في التّحقيق بلا شنآن، ولا أذى كصنيع اللّئيم المانّ، وأرسلناها إليك بالطّيران، وأخبرناك بتحقيقنا قبلك بأوان، واستأذنّا وسعدنا بهمّك فما هذا النّسيان، أخرفت ـ يا أبا الطّيّب ـ وجاءك الهذيان، ما كان ـ يا عاقل ـ محمّد أبدا بخوّان، كما تدّعيه في المتجر والخان، وتشيعه ظالما له ولنا كصنيع الجانّ، ألا تخشى ـ يا عبد الرّحمن ـ أن يفضحك الرّحمن، ويكشف عورتك بين الصّحب والإخوان.
46 ـ وقلتَ: " فلا أقرُّ لك أبدا بصنيعك ولا كرامة ".
أقول: أضحكتني الآن حين قلتَ لمحمّد: " فلا أقرُّ لك أبدا بصنيعك ولا كرامة "، كما أضحكتني من قبل حين قلتَ لي: " فلا اعترفتُ لك بعملك "، يا جناب المتّهَم، وحضرة الملتهم، من طلب منك الإقرار والاعتراف، حتّى تهذي بالإقذار والإسراف، والجهل والإسفاف، قَرْ عينا ولا تُقرّ، وإيّاك أن تعترف ثمّ تفرّ، أمّا الكرامة فهي ثابتة للمسلم، لا تزول بنفيك إن كنت تهتدي وتعلم، ولا تجور وتظلم.
47 ـ وقلتَ: " وأقول فيكما بقول أبي شامة:
قل لمن قال: أما تشتكي ... ما قد جرى فهو عظيم جليل
يقيّض الله تعالى لنا ... من يأخذ الحقّ ويشفي الغليل
إذ توكّلنا عليه كفى ... فحسبنا الله ونعم الوكيل ".
أقول ـ جوابا عن شكواك، وتخفيفا لعظيم بلواك ـ: ما صنعناه ليس أمرا عظيما حتّى تهوّل، وتسرع فزعا وتهرول، فقد يسّر لنا المولى خطبة المؤمّل، ورأينا قديما نسخة شيخ السّنّة المبجّل، ومنّ الله بعدها بأصل البرواقيّة المكبّل، فأشدنا به وشهّرناه، وأشرنا إليه ومهدناه، ومسؤول القسم في الوزارة نبّهناه، فحرّكناه وشوّقناه، كيف لا ونحن من قبل في تلك المدينة " شُفناه "، وما سرقناه ولا سقناه، كما فعل مجهول بيمناه، لكنّ الله سهّل فصارت الوزارة سكناه، ونصحنا الشّباب كلّ بيمناه، للنسخ والمقابلة بالجدّ لصون حماه، ووفّقت أنت دون الرّبع يا حماداه، ونسخت فرعا بأصل
¥