تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

شيخ السنّة بادلناه، وفي مقدّمتينا ذكرناه، وصاحبه شكرناه، ودعونا أن يوّفقه الإله، وحقّقنا الكتاب ونشرناه، ومن قبل عملك انتظرناه، وسألنا هل أحد رآه، أو سمعت به أذناه، ثمّ استيقظت أنت بعد غفلة وسبات وصحت: يا ويلتاه، ويا شكواه وألماه، وجليل بلواه، لقد نشر الدّكتور خطبتاه، وذكر اسمي فيما كتبت يداه، وأشاد بفرعي فيا سوأتاه، فمن يأخذ بحقّي من وراه، ويشفي غليلي من " جُوَّاه "، فاعجبوا لهذا الجزع يا إخوتاه، وادعوا لصاحبه تخفيفا لبلواه.

48 ـ وقلتَ: " ويا أيّها القارىء إنّ في طلعة الشّمس ما يغنيك عن زحل ".

أقول ـ جوابا لفخرك، وطلوع شمسك وفجرك ـ:

1 ـ تواضع يا مسكين فلستَ شمسا طلعتْ، ولستُ زحلا غربتْ، نحن جميعا من العبيد، نسعى كغيرنا لتحقيق التّوحيد، ورضا العزيز الحميد، فلم الالتفات إلى شمس وزحل، أو كوكب ناءٍ يا رجل.

ولئن قلت:

*إنّ في طلعة الشّمس ما يغنيك عن زحل*

لأقولنّ لك:

*إنّ في ضلعة الفخر ما يرديك من جبل*

2 ـ ثمّ مالك والقرّاء، يا سيبويه والفرّاء، دعهم للكتاب يتلون، وفي آيه يتأمّلون، أتصرفهم عن هذا العمل، ليتلّهفوا إلى نشرتك يا رجل، وتضخّم من شأنها قبل بدوّها يا وحيد، وقد جاء في أمثال الجزائر يا سعيد: " لَمَّا يْزِيدْ نْسَمِّيهْ بُوزِيدْ "، وهناك نرى إن شاء الله شمسك وشَمْعَك، وزُحَلَكَ وزَجْلَك.

49 ـ وقلتَ: " إذ لم أنقض غزلي هذه المرّة من بعد قوّة أنكاثا ".

أقول: يا لكثرة ما غزلت، وفزعت وتغزّلت، فأرنا ولو مرّة، ما تدّعيه في الكَرّة، ولا تكسر الجرّة، وتنقض الغزل بالهَدْرَة.

50 ـ وقلتَ: " فانظر فيه واستفد ".

أقول: إنّا إليه ـ إن شاء ربّي ـ لناظرون، وله ناظرون، رغم أنّا السّابقون، وأنتم بنا ـ إن شاء الله ـ لاحقون، وأمّا الاستفادة، فمتروكة لقرّائك السّادة، وليس من العادة، مدح المحقّق لعمله قبل الظّهور، أو بعد النّشر يا مسرور، فإنّ ذاك ـ والله ـ قاسم للظّهور.

51 ـ وقلتَ: " فكم ترك الأوّل للآخر ".

أقول: إنّا لكمكمتك حاضرون، ولكمّك حاصرون، فلا تغترّ وحاذر، من قولك: كم ترك الأوّل للآخر، فلا يقول مثلها إلاّ عالم وكابر، فلا تتعالم وتكابر.

52 ـ وقلتَ: " وقس وفاضل ".

أقول: أنبأتك من قبل عن داء المفاعلة الذي أصيب به عقلك، ومرض المقايسة والمفاضلة والمنافسة الذي راح إليه وهمك، أمّا المقايسة بين الطّبعتين، والمفاضلة بين النّشرتين، فلا توصي حريصا، وليس ذا أمرا عويصا، مع أنّ طبعتنا موجودة، وطبعتكم متخيّلة موعودة، ونشرتنا عامرة، ونشرتكم غامرة.

53 ـ وقلتَ: " واعل في السّند فإنّ ذلك سنّة ماضية كما قيل:

وطلب العلوّ سنّة ومن ... يفضّل النّزول عنه ما فطن ".

أقول: بأيّ سند ظفرت حتّى يعلى إليك، ويستملى عليك، وتضرب المطيّ إلى بابك، وتقطف ثمار غابك، نسخت فرعا فصار بتحريفاتك قرعا فكيف تعلو، وآذيت إخوانك فكيف لك الحياة تحلو، نعم علوتَ بالأذى، وغلوت بالقذى، وشرط اعتبار العلوّ في السّند خلوّه من العلل القادحة، وسندك يا مسكين طافح بالصّفات الجارحة، ويقدّم عليه جزما السّند النّازل الصّحيح، الخالي من كلّ قادح وقبيح، هذا إذا سلّمنا أنّك علوت ونزلنا، وطرت وجلسنا، والواقع أنّك أنت الغالي لا الغالي، والنّازل والبالي، والمتأخّر التّالي.

وطلب الغلوّ شينةٌ ومن ... يفضّل البعاد عنه قد فطن

وعلّة ثابتة فيما علا ... قادحة لشأنه فلا تكن

مقدّما لسند قد هزلا ... وناظرا فيما هُدَّ وسكن.

فهذا آخر ما تيسّر من هذا البيان، كتبناه إثر ما فاه به عبد الرّحمن، في ملتقى أهل الحديث الملآن، وشهّرنا فيه بالزّور والبهتان، ورمانا بالإثم والعدوان، وقَرْصَنَنَا فيه فَقَرَصْنَاه، وقرضنا رغم أنّا قرظناه، وسرّقنا فشرقناه ورشقناه، ومكّرنا فنكرناه ونكّرناه، وجهر بالسّوء من القول فإليه رددناه، وما كان من شأني ـ علم الله ـ الجهر بمثل ذلك، لولا تلك المظالم والتّهم والمهالك، التي ألصقتها بنا في صريح قالك، والله عزّ وجلّ يقول في كتابه المحكم: " لا يحبّ الله الجهر بالسّوء من القول إلاّ من ظلم ".

وأخيرا أوصيك يا أبا الطّيّب بجملة نصائح فأقول:

1 ـ اتّق الله في أعراض المسلمين وعوراتهم، فمن تتبّع عورة أخيه تتبّع الله عورته، ومن تتبّع الله عورته كشفه ولو في جوف بيته.

2 ـ اعلم أنّ المخطوطات بحر لا ساحل له، وما زالت نوادره في خزائن الخافقين قابعة تنتظر من يخرجها ويحقّقها، فلا تجزع ولا تهلع، ومعنا عشرات المخطوطات لو شئنا سمّيناها لك لتظفر بسبق تحقيقها ونشرها.

3 ـ ما زلت في مقتبل عمرك فلا تجعل أوّل إنتاجك ردودا تحاول بها إبراز عضلاتك، بل تدرّج رويدا رويدا في طلب العلم، وتحلّ بفاضل الأخلاق الملاح، وتدثّر بشيم أهل التّقى والصّلاح، واحذر أن تتعرّض لأناس سالموك وما مسّوك، وأحبّوك من قبل وشكروك.

وسبحانك اللّهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلاّ أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

وكتبه ـ محتسبا محسبلا محوقلا ـ: جمال عزّون.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير