ولن أنس ذلك اليوم الذي وقفت فيه على كتابٍ باطنيٍّ كان قد أُهدي لبعض العاملين القادمين من دولة عربية (كان الله لها)، ولم أكن حينئذ قرأت شيئًا من علوم التوحيد، فأتيتُ إلى هذا الشيخ المبارك ـ وكان أولَ عهدي به سلمه الله تعالى ـ في مكتبته العامرة، فإذا به يُخرج كتابا اسمه ((شذرات الذهب))، ويقلب في صفحاته وكانه يعرف ضالته، حتى وقف على اسم صاحب هذا الكتاب الباطني، وأبلغنا أن هذا الكتاب من كتب بعض الفرق المبتدعة وينبغي أن يُحرقَ، وأخذ ينقدُ الكتابَ والكاتبَ ويبين لي وللحضور ـ بلغة مسيرة ـ ما جاء في هذا الكتاب الخبيث من مخالفة لعقائد الموحدينَ، وتعدٍ على صحابة سيدِ المرسلينَ (صلى الله عليهِ وسلم) ..
فوقع في روعي ما وقع، وتعجبت من هذا الصنيع، وقلت في خبيئة نفسي: ما هذا؟! ـ وكيف؟!
ولكن بعد مصاحبة هذا الشيخ والجلوس بين يديه فترة من الزمان ليست بالقليلة؛ علمت أن اللهَ قد حفظ هذا الدين ـ وما زال ـ بثلة من عباد اللهِ الصالحينَ.
أقول: هكذا كانتِ البداية، وهكذا شاء اللهُ تعالى ..
(رجعت)
ثم بدأتُ كما أسلفت في تقييد أحكام الشيخ، وما أفاده الشيخ زهير من مقابلة الأصول وذكر الفروق، وتنبيهاته على بعض ما وقع في طبعة الشيخ التي اعتمدها أصلا للعمل،
فجمعت الكثير من المؤاخذات ...
وقد يسر اللهُ لقاءَ بعضِ أهل الفضل ـ وكنت قد بدأت في سنن ابن ماجة وأسميته (تيسير الحاجة إلى صحيح وضعيف سنن ابن ماجة) ـ فرحبوا وباركوا، وقد تم اتصال على الشيخ الألباني رحمه الله من منزلي ـ في جمعٍ من الأحبة عام (96)، ومنهم بعض خاصة الشيخ ـ ولكنه كان في أشد مراحل مرضه، فاكتفى الأخ بالسلام والسؤال عن الحال والدعاء بالشفاء شفقة على الشيخ فإنه كان يتكلم بصعوبة شديدة ..
ثُم شاء اللهُ تعالى أن شرعت في بقية الكتب المباركة وغيرها؛ لأخلصَ إلى نسخة مصححة، فأيقنت أن الطريق الوحيد هو:
(*) مقابلة الكتب الستة على (التحفة) على الطبعتين الأولى والثانية،
(*) و (تهذيب الكمال)،
(*) والمطابقة على المطبوع المحقق من السنن الأربعة كسنن الترمذي للعلامة أحمد شاكر، وسنن ابن ماجة للشيخ الأعظمي، وتحقيق الشيخ زهير الشاويش على صحيح وضعيف السنن الأربعة فقد اعتمد أصولا، وكتبِ الشيخ الألباني المطولة كالسلاسل وما شابه ..
وأثناء هذه الرحلة المباركة أنعم اللهُ تعالَى بالخير الكثير، ولكن جاء ما يعكرُ الصفوَ ألا وهو:
(1) ـ إعادة طباعة (صحيح وضعيف السنن) للشيخ طبعة جديدة، ولكنها أسوأ من الطبعة الأولى من حيث كثرة السقط والتحريف ... فهذا يستوجب انتظار أن تخرج كاملة، ومن ثَم إعادة مقابلة القديمة بالجديدة، أي ما يقارب (000 , 17) حديثا، مع إعادة هذا العمل الشاق الجاد والمرور بنفس نفس التجربة ..
(2) ـ خرجت طبعات لـ ((لكتب الستة)) صغيرة الحجم باهظة الثمن تخلو من الحد الأدنى من أصول الاعتناء التي ألفناها من أهل الصنعة المتقنين، ثم تتابعت هذه الطبعات وكأنها حمى دبت في دور الطباعة (!) ولا ماء لها.
وقد كان بالإمكان تقليد بعض هذه الطبعات (صغيرة الحجم) وترك الأمر على ما هو عليه، والمسارعة بإخراج المتون مجردة كما فعل الكثير، موفرا للوقت والجهد، مستجلبا للمال الكثير، مسارعا في أصحاب دور الطباعة، عارضا عليهم الولاء والطاعة لما يبدونه من مسخ وتحريف لما يشيرون عليه بالسلب والتزييف ...
والذي يحلفُ به: لولا مخافة الجبار لأكلت أموال المسلمين بالباطل من خلال إغراق المكتبات بأعمال كثيرة في وقت قصير على رسم من تقدم ذكرهم ..
واعلموا أن أكثر أصحاب (دور الطباعة) لا يرفعون رأسا، ولا يبالون بنقد شيخ الإسلام لو كان حيا ...
وليعلم الإخوة: أن هناك بعض من يفتري عليَّ ويشهر لأسبابٍ كنت أتمنى أن لا أذكرها، ولكنه دائما يتكلم في شخصي ولكني قد ظلمت فحق لي القول وإلى المنصفين أقول:
(ـ) أني كنت وما زلت أبحث عن مخطوطات شيخ الإسلام، فدللت على هذا الأخ (سامحه الله تعالى) وجاء التعارف والتزاور واطلع على العمل ومشقته، وسُرَّ عندما رأى تصحيحات ((التحفة))، وطلبها على انفرادٍ، ولكني أبيتُ إلاَّ في البيت لحاجتي الماسة اللحظية لها، وأيضا لما بذلت فيها من جهدٍ جهيدٍ، فحملها في قلبهِ .. (وهذه الأولى)
¥