وروى أيضا وقال الترمذي حسن صحيح عن عمر مرفوعا {لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا}. وعن زيد بن ثابت مرفوعا {من كانت الدنيا همه فرق الله عليه أمره وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له , ومن كانت الآخرة همه جمع الله له أمره وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة} إسناده جيد ورواه ابن ماجه. وعن عمرو بن العاص مرفوعا {إن لقلب ابن آدم بكل واد شعبة فمن أتبع قلبه الشعب كلها لم يبال الله في أي واد أهلكه ومن توكل على الله كفاه الشعب} رواه ابن ماجه من رواية ابن زريق العطار تفرد عنه الكوسج وباقيه جيد ولابن ماجه هذا المعنى بإسناد ضعيف من حديث ابن مسعود , وقد سبق في فصول العلم.
وقال ابن عبد البر في كتاب بهجة المجالس قال صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه {لا تكثر همك يا عبد الله وما يقدر يكون وما ترزق يأتيك} وقال غيره قال الأطباء في تدبير المشايخ وليحذروا الهم فإنه يصير الشباب شيوخا فما ظنك بالمشايخ.
قال ابن عبد البر ويروى لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وفيها نظر
لو أن في صخرة في البحر راسية صما ململمة ملس نواحيها رزقا لعبد براه الله لانفلقت
حتى تؤدي إليه كل ما فيها أو كان تحت طباق الأرض مطلبها
لسهل الله في المرقى مراقيها حتى تؤدي الذي في اللوح خط له
إن هي أتته وإلا سوف يأتيها
قال وأنشد بعضهم:
الحمد لله ليس الرزق بالطلب ولا العطايا على عقل ولا أدب
إن قدر الله شيئا أنت طالبه يوما وجدت إليه أقرب السبب
وإن أبى الله ما تهوى فلا طلب يجدي عليك ولو حاولت من كثب
وقد أقول لنفسي وهي ضيقة وقد أناخ عليها الدهر بالعجب
صبرا على ضيقة الأيام إن لها فتحا وما الصبر إلا عند ذي الأدب
سيفتح الله أبواب العطاء بما فيه لنفسك راحات من التعب
ولو يكون كلامي حين أنشده من اللجين لكان الصمت من ذهب
.
ولآخر:
إني لأعلم والأقدار غالبة أن الذي هو رزقي سوف يأتيني
أسعى إليه فيعنيني تطلبه ولو قعدت أتاني لا يعنيني
وقال آخر:
ألم تر أن الله قال لمريم وهزي إليك الجذع يسقط لك الرطب
ولو شاء أن تجنيه من غير هزها جنته ولكن كل شيء له سبب
وقال بكر بن حماد:
للناس حرص على الدنيا وقد فسدت فصفوها لك ممزوج بتكدير
فمن يكب عليها لا تساعده وعاجز نال دنياه بتقصير
لم يدركوها بعقل عندما قسمت وإنما أدركوها بالمقادير
لو كان عن قدرة أو عن مغالبة طار البزاة بأرزاق العصافير
ولشريح بن يونس المحدث
يا طالب الرزق يسعى وهو مجتهد أتعبت نفسك حتى شفك التعب
تسعى لرزق كفاك الله مؤنته أقصر فرزقك لا يأتي به الطلب
كم من سخيف ضعيف العقل تعرفه له الولاية والأرزاق والذهب
ومن حصيف له عقل ومعرفة بادي الخصاصة لم يعرف له نسب
فاسترزق الله مما في خزائنه فالله يرزق لا عقل ولا حسب
وقال آخر:
كم من قوي قوي في تقلبه مهذب الرأي عنه الرزق منحرف
ومن ضعيف ضعيف الرأي تبصره كأنه من خليج البحر يغترف
وقال آخر
يا راكب الهول والآفات والهلكه لا تعجلن فليس الرزق بالحركه
من غير ربك في السبع العلى ملك ومن أدار على أرجائها فلكه
أما ترى البحر والصياد تضربه أمواجه ونجوم الليل مشتبكه
يجر أذياله والموج يلطمه وعقله بين في كلكل الشبكه
حتى إذا راح مسرورا بها فرحا والحوت قد شك منقود الردى حنكه
أتى إليك برزق ما به تعب فصرت تملك منه مثل ما ملكه
لطفا من الله يعطى ذا بحيلته هذا يصيد وهذا يأكل السمكه
وقال بعض الحكماء: الحلال يقطر قطرا , والحرام يسيل سيلا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {اللهم لا مانع لما أعطيت , ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد} متفق عليه قال أكثم بن صيفي جدك لا كدك.
وقال أبو الأسود الدؤلي:
المرء يحمد سعيه من جده حتى يزين بالذي لم يعمل
وترى الشقي إذا تكامل عيبه يرمى ويقذف بالذي لم يفعل
وقال حسان أو ابنه عبد الرحمن:
وإن امرأ يمسي ويصبح سالما من الناس إلا ما جنى لسعيد
وإن الذي ينجو من النار بعدما تزود من أعمالها لسعيد
ولصالح بن عبد القدوس:
وليس رزق الفتى من حسن حيلته لكن جدود بأرزاق وأقسام
كالصيد يحرمه الرامي المجيد وقد يرمي فيرزقه من ليس بالرامي
¥