[كيف تصنف أو تؤلف؟]
ـ[حامد الألباني]ــــــــ[24 - 12 - 03, 07:16 ص]ـ
الْحَمْدُ لله، وَالصَّلاَةُ والسَّلاَمُ عَلَى رَسُولِ الله.
أَمّا بَعْدُ:
يَا طَالِبَ الْعِلْمِ اسْتَمِعْ …حَتَّى بِرسْمي تَنْتَفِعْ
إنْ كُنْتَ تَبْغِي سُلَّمَا ... بِالْعِلْمِ جَمْعًا تَرْتَفِعْ
هَذِي حُرُوفُ الْمُرْتَجِي ... نَفْعَ الصَّحَابِ وَالْجَمِعْ
فَاللهَ نَسْأَلْ يَا أَخِي … أَجْرَاً لِيَوْمٍ نَرْتَجِعْ
فَهَذِهِ - يَا طَالِبَ الْعِلْمِ - دُرُوسٌ عَامَّة فِي كَيْفِيَّةِ التَّصْنِيفِ وَالتَّأْلِيف، لِمَنْ آتَاهُ اللهُ فَهْمَاً ثَاقِبَاً، وَاطِّلاَعَا وَاسِعَاً.
بينَ يديِ الرّسالة:
لاَ بُدُّ قَبْلَ الْبَدْءِ بِمَوْضُوعِنَا؛ أَنْ نَسْتَحْضِرَ بَعْضاً مِنْ أَقْوَالِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيما يَتَعَلَّقُ بِالتَّصْنِيفِ؛ إذْ يَزْعُمُ بَعْضُ النّاسِ؛ بِأَنَّ الْكُتُبَ الْقَدِيمَةَ يُوجَدُ فِيهَا كُلُّ شَيْءٍ؛ مِمّا يَحْتَاجُهُ الْمُسْلِمُونَ الْيَوْمَ؛ وَلاَ حَاجَةَ إلَى التَّأْلِيفِ أَوِ التَّصْنِيفِ!
وَأَنَا أَقُولُ: هَذَا خَطَأٌ مِنَ الْقَائِل - مَعَ الاِعْتِرَافِ بِفَضْلِ الأَوَائِل -؛ وَذَلِكَ مِنْ عِدَّةِ وُجُوهٍ:
أَوّلاً: كَلاَمُهُ لاَ يَسْتَنِدُ إلَى قَاعِدَةٍ عِلْمِيّةٍ، أَوْ أَدِلَّةٍ شَرْعِيّة؛ إنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ اجْتِهَادٍ شَخْصِيٍّ مَبْنِيٍّ عَلَى شَفَا جُرْفٍ هَارٍ! وَهَذَا -وَحْدَهُ -كَافٍ لِرَدِّهِ مِنْ مِئَاتِ الْوُجُوهِ!!
ثَانِيَاً: نَسْأَلُ الزَّاعِمَ: وَأَيُّ ضَرَرٍ يُحْدِثُهُ التَّصْنِيفُ عَلَيْكَ أَوْ عَلَى الأُمَّةِ؟!!
ثَالِثَاً: وَأَيُّ نَفْعٍ سَتَنَالُهُ الأُمَّةُ مِنْ مَنْعِ التَّصْنِيفِ وَالتَّأْلِيفِ؟ !
رَابِعاً: وَمَنْ ذَا الَّذِي يُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ الله؟!
خَامِساً: لَوْلاَ الْكُتُبُ الْحَدِيثَةُ وَالتَّصَانِيفُ الْعَدِيدَة؛ مَا حُفِظَتِ الْكُتُبُ الْقَدِيمَة؛ فَهِيَ
- تَمَامَاً - كَالْقِشْرَةِ وَلُبِّهَا؛ لاَ يَسْتَغْنِي أَحَدُهُمَا عَنِ الآخَرِ؛ إلاَّ أَنَّ أَحَدَهُمَا أَسْبَقُ وُجُوداً، وَأَنْفَعُ حَاجَةً!
سَادِسًاً: أَمّا مَسأَلَةُ الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ؛ فَلاَ ضَابِطَ لَهَا، وَلاَ مَاسِكَ لِخِطَامِ زِمَامِهَا؛ فَعِلْمُ مَا فِي السُّطُور سَبَقَهُ عِلْمُ مَا فِي الصُّدُور، وَهَكَذَا تَجْرِي الأُمُور: يُصْبِحُ الْقَدِيمُ حَدِيثَاً نِسْبَةً لِمَا قَبْلَهُ، وَيُصْبِحُ الْحَدِيثُ قَدِيمًا نِسْبَةً لِمَا بَعْدَهُ، وَهَكَذَا دَوَالَيْكَ؛ فَحَنَانَيْكَ!!
وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللهُ
- صَلَّى الله علَيهِ وسلَّم -: «قيِّدُو العلمَ بالكتَاب».
قَالَ الْعلماءُ: «ينبغِي أَن لا يخلُوَ التَّصنيفُ من أَحد المعاني الثّمانية؛ الّتي تُصنِّف لها العلماءُ؛ وهي:
أوّلاً: «اختراعُ معدوم»؛ أَي: لم تُسبَق إليه - فيما تعلم وتعتقد -.
ثانياً: «جَمِعُ مُفتَرقٍ»؛ أي: مسأَلة مُشتّتة وَأَدلَّتُها في بطون الكُتب؛ تَجمعها في كتاب واحد.
ثالثاً: «تكميلُ ناقصٍ»؛ أَي: أنَّ الموضوع لم يكتمل فيه جانب من الجوانب؛ فتُكمِلُه أَنتَ.
رابعاً: «تفصيلُ مجملٍ»؛ أي: أَنَّك تفصِّل المسأَلةَ شيئاً فشيئاً حتّى يذهبَ تراكم المعاني، ويتضّح المراد.
خامساً: «تهذيبُ مطوَّلٍ»؛ أي: أَنّك تلجأُ إلى الاختصار دون الإخلاَل.
سادساً: «ترتيبُ مُخلَّطٍ»؛ أَي: أَنّك تقدِّمُ وتؤَخّر في ترتيب المادّة أوِ الموضوع.
سابعاً: «تعيينُ مبهمٍ»؛ أَي: أنّك تعيّن وجود موضع خفيّ في مسأَلة أو نقطة أو نكتة لتظهرها، وتجلّي أمرها.
ثامناً: «تبيينُ خطإٍ»؛ أَي: أَنّك تصحّح خطأَ الغَير إذا أَيقنت صواب ما أَنت عليه.
وَأخيراً:
أرجو الله أن ينفع بها طلبة العلم؛ المنتظرين من يفجِّر لديهمُ الطّاقات، وَأن لا يحرم الأمّة من الإبداعات.
وهذا أَوان الشّروع في المشروع؛ فأَقول - وبالله التّوفيق -:
المرحلةُ الأُولى
(التخصّص)
أُوصِي - والوصيّة غيرُ مُلزِمة؛ بل مُعلِمة:
¥