تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[منهج الطبري في تاريخه]

ـ[الرايه]ــــــــ[09 - 02 - 04, 04:29 ص]ـ

بدأ الإمام الطبري حياته العلمية بدراسة الحديث، فكان حرياً أن يتأثر بمنهج

المحدثين في جمع الرواية التاريخية والاهتمام بسندها، فكان يجمع مأثور الروايات

ويدونها مع إسنادها إلى مصدرها مثل: شيخ تتلمذ عليه، أو عدل شارك في

الحادثة أو كان له علم بها، أو كتاب تدارسه بالسند المتصل قراءة وسماعاً وإجازة.

فكان في الغالب يلتزم وجهة المحدثين في الاهتمام الذي ينصب على الإسناد حيث

يثبته في معظم الأحيان في الروايات.

يقول في هذا الشأن في مقدمة تاريخه: (وليعلم الناظر في كتابنا هذا أن

اعتمادي في كل ما أحضرت ذكره فيه، إنما هو على ما رويت من الأخبار التي أنا

ذاكرها فيه والآثار التي أنا مسندها إلى رواتها فيه دون ما أدرك بحجج العقول

واستنبط بفكر النفوس .. إلا القليل اليسير منه) [1].

وهكذا أكد الإمام الطبري حرصه على إسناد كل خبر إلى قائله وأنه سوف لن

يسمح لحجج العقول وفكر النفوس أن تتدخل في التفسير والاستنباط، في الكتابة

والتدوين أثناء جمع المادة، وما ذاك إلا حرصاً منه على جمع ما قيل كله أو جله

من وجهات نظر متعددة إن كانت، وبعد ذلك محصل الموازنة والمقارنة،

والاستنباط والقبول والرد لمن يريد.

ولما كان تاريخ صدر الإسلام - خصوصاً فترة الفتنة - أكثر حساسية من

غيره، إذ فيه روايات أملتها عاطفة الرواة أو الاتجاهات السياسية أو اختلاف

وجهات النظر والفهم، ونظراً لأن الروايات تتأثر بعوامل مختلفة كالنسيان والميول

والنزعات فيصعب الجزم بدقتها وسلامتها، فإن هذا مما يجعل إبداء الرأي فيها أو

إصدار حكم بشأنها يبدو معقداً للغاية.

ولهذا قام الإمام الطبري -رحمه الله - وهو يعرض وجهات النظر المختلفة

لرواته ومصادره باتباع طريقة جمع الأصول وتدوينها على صورة روايات،

المسؤول عنها رجال السند أي الرواة الإخباريون.

وقد برهن على ذلك في قوله:

(فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما ينكره قارئه

أو يستشنعه سامعه، من أجل أنه لم يعرف له وجهاً في الصحة ولا معنى في

الحقيقة، فليعلم أنه لم يؤت في ذلك من قبلنا، وإنما أتي من قبل بعض ناقليه إلينا،

وأنا إنما أدينا ذلك عن نحو ما أدي إلينا) (1/ 8).

ومن منهجه أيضاً الحياد، فهو يعرض مختلف وجهات النظر دون تحزب أو

تعصب، وإن كان له رأي خاص فيظهر أحياناً في اختياره للروايات وإيراد بعضها

وترك البعض الآخر، متجنباً إعطاء حكم قاطع في القضايا التي يتعرض لها، حتى

أنه لا يفضل رواية على أخرى إلا نادراً.

وقد أدى به التزام هذا المنهج إلى الحرص على إيراد الروايات المختلفة

للحادث أو الخبر الواحد، وعند المقابلة بين الروايات يستعمل تعبير: (واختلف

في كذا) ثم يعقبه باستعراض الروايات المختلفة لرواته كقوله: فقال

بعضهم .. وقال بعضهم .. وقال هشام بن الكلبي .. ، وكقوله: وذكر عن فلان أنه قال .. وحدثنا فلان .. وقال آخرون .. وقال بعضهم .. (4/ 174)

إلا أن النقد والمقابلة يظهر جلياً في عدد من الأخبار التي ترد في نهاية

الحوليات كالوفيات والصوائف وتعيين ولاة الأقاليم وأمراء الحج، ومثال ذلك في

قوله: (وفي سنة كذا توفي أبو العباس يوم .. بالجدري. وقال هشام بن محمد الكلبي - توفي يوم .. واختلف في مبلغ سنه يوم وفاته. قال بعضهم .. وقال بعضهم .. وقال الواقدي .. (4/ 470)، وقوله: وغزا الصائفة في سنة كذا فلان، وقال الواقدي أن الذي غزا الصائفة في هذه السنة فلان (8/ 241).

وهكذا إذا كان للحادث روايات مختلفة اعتقد الإمام الطبري بوجوب ذكرها

لتكتمل الرؤية عنه.

لكن مع اجتهاده في تدوين كل ما يمكن تدوينه من الروايات

والأقوال من الخبر الواحد، فإذا وصل إلى موضوع مطول مختلف فيه قطعه ليذكر

مواضع الاختلاف مشيراً إليها (4/ 466، 468، 469). فإذا ما انتهى منها عاد

إلى المتن - أي إلى الموضع الذي وقف عنه - فيمهد للكلام بإشارة تدل على

استئنافه كأن يقول: (رجع الحديث إلى حديث فلان .. ) (4/ 470).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير