الموجبين لزكاة العسل هو العشر، قياساً على الزرع والثمر [10]، وقد استدلوا بما
رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان
يؤخذ في زمانه من قرب العسل، من عشر قربات قربة من أوسطها [11]، وكذا
بما روى سلمان بن موسى، أن أبا سيارة المتّقِي قال: (قلت: يا رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- إن لي نحلاً، قال: أَدِّ العشر، قال: فاحمِ إذن جبلها، قال: فحماه
له) [12].
وعلى ضوء هذه الآثار يمكن تحديد زكاة العسل وفق الجهد المبذول والكلفة
قياساً على الزرع الذي يكون فيه كلفة، ففيه نصف العشر، وما لم يكن فيه كلفة
ففيه العشر من الإنتاج قبل تكاليف الإنتاج، وهذا مبني على أمرين: الأول:
حديث أبي سيارة المتّقي؛ حيث إن النحل الذي كان يؤدي زكاته كان يرعى في
جبال معينة، ومنع الرعي فيه بالحمى، وليس لأبي سيارة جهد سوى جمع العسل،
فهو أشبه بالزروع التي تسقى على المطر، حيث ورد النص على أن فيها العشر،
وأن فيما سقي بالنضح نصف العشر، كما روى البخاري من حديث ابن عمر
(رضي الله عنهما) قوله: (فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريّاً: العشر، وفيما
سقي بالنضح: نصف العشر) [13].
الثاني: أن إنشاء مزارع تربية النحل أصبح ذا كلفة من حيث التغذية،
والعناية من حيث رعاية الخلايا، وما يسبب ذلك من جهد مكلف يحتاج إلى رأس
مال للحصول على إنتاج من العسل مربح، فأشبه الزرع الذي يسقى بالسائبة أي
يبذل فيه جهد وكلفة.
وجه إلحاق الدواجن بالنحل:
وعلى ضوء ما سبق: فقد ألحقت صناعة الدواجن بالعسل في الحكم لتشابه
الطبيعة، وعلى ذلك: يتم تحديد مقدار الواجب في الدواجن بنصف العشر، حيث
إن تكلفة التغذية والآلات والحظائر وغير ذلك من مؤنة الإنتاج مثل ما يحصل في
الزرع من سقي وجلب الماء، ومَثَل العسل الذي يكون في الجبال والذي لا يستدعي
جهداً مثل ما يتم إنتاجه من المزارع الخاصة بإنتاج العسل.
وبالتالي: فإن مقدار الواجب هو: نصف العشر، أي 5% من إجمالي
المبيعات، وعدم خصم أي مصروفات تشغيلية بما في ذلك قيمة الفراخ الخاصة
بإنتاج بيض التسمين والأمهات اللاتي ينتجن البيض المخصب، أما بالنسبة
للنصاب: فإن تحديده ملحق بنصاب العسل الذي قيست عليه منتجات الدواجن،
وحيث إنه لم ترد آثار في تحديد نصاب العسل فقد اختُلف في نصابه، فيرى أبو
حنيفة أن في قليله وكثيره الزكاة بناء على أصله في الحيوان والثمار [14].
أما صاحبه أبو يوسف: فقد اعتبر أن النصاب هو خمسة أوسق من أدنى ما
يكال كالشعير، واستدلوا بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ليس فيما دون خمسة
أوسق صدقة، أما الإمام أحمد: فيرى النصاب مئة وستين رطلاً بالبغدادي، ومئة
وأربعة وأربعين بالمصري، والراجح كما ذكره الشيخ القرضاوي [15] أن يقدر
النصاب بقيمة خمسة أوسق، أي 653كيلو جراماً من أوسط ما يوسق كالقمح
باعتباره أوسط الأقوات العالمية، وقد جعل الشارع نصاب الزروع والثمار خمسة
أوسق، والعسل مقاس عليهما، فتجعل الأوسق هي الأصل في نصابه، وهو ما
نأخذ به؛ لاتفاقه مع أصل القياس، وبالتالي: فإن مقدار النصاب الذي تجب فيه
الزكاة يعادل 653 كيلو جراماً من القمح قياساً، وذلك من قيمة إجمالي بيع
الدواجن [16].
زكاة المنتجات الحيوانية:
من الأنشطة الاقتصادية ذات المردود الاقتصادي والمرتبط بالثروة الحيوانية:
تربية حيوانات غير سائمة تتخذ لإنتاج الألبان، وهذه المشروعات أصبحت تدر
دخلاً وفيراً على أصحابها، كما أن بعض الأنعام تربى في مزارع خاصة من أجل
تسمينها وتوالدها لبيع لحومها وأصوافها.
لقد اختلف في وجوب الزكاة على المنتجات الحيوانية (الألبان)، حيث أجمع
على أنه لا زكاة فيما يخرج من الحيوان، إلا العسل الذي اختلف فيه [17]. إن
قدماء الفقهاء (رحمهم الله) لم يتطرقوا إلى معالجة وضع الحيوانات التي تربى من
أجل ما تنتجه من ألبان؛ لعدم ظهور الحاجة لذلك في الماضي، بخلاف عصرنا
الحاضر؛ حيث أصبح إنتاج الألبان وما ينتج عنها من منتجات صناعية غذائية ..
تجارة رابحة ومصدراً من مصادر الدخل وتحقيق الثروة.
ومن الفقهاء المعاصرين الذين تطرقوا لزكاة منتجات الثروة الحيوانية: فضيلة
الشيخ القرضاوي، حيث أوجب الزكاة على هذه المنتجات مقاسة على العسل من
¥