فقد: رأيتُ ما خطَّتْ يدا بعضهم على البخاري رحمه الله، بعنوان: ((جناية البخاري – إنقاذ الدين من إمام المحدثين)) فأثار العنوان الريبة في صاحبه، لكنَّا أُمرْنا بالتريُّثِ في الحكم على الناس، وإلباس كل شخص ما يستحقه من لباس، فقرأتُ في الإعلان عن الكتاب المشار إليه ما نصُّه: ((ليست الغاية من هذا الكتاب التجني على الإمام البخاري أو التشكيك بحسن نياته ومقاصده التي رافقته في إعداد صحيحه، إنما هي التأكيد أن ما جاء في صحيح البخاري ليس وحيا مقدسا بل هو قابل للنقد والمراجعة أو الرفض على الرغم من كافة أنواع الهالة والقداسة التي نسجت حوله من قبل الآخرين على مر أكثر من ألف عام. ولئن رأى الكثير من المسلمين أن الإمام البخاري قد اجتهد ولن يحرم أجره عند ربه، فإني أرى أنه أول من ساهم في الخلط بين الوحي المنزل وكلام البشر وخلق التخبط والتقارب في عقول معظم المسلمين، الذي انعكست آثاره في كافة جوانب حياتهم اليوم)).
انتهى ما رأيتُه على موقع المكتبة الإلكترونية وغيره من المواقع على هذه الشبكة العنكبوتية، فرأيتُ أن ما ذُكِرَ هنا كافيًا في بيان مراد صاحبه، وفساد واضعه، وإفك مفتريه، فكان لزامًا عليَّ التحذير للناس والتنبيه، وفي الموضع الذي اشتهر الكتاب فيه، على نفس الشبكة والمكان، ليرى ذلك من أسعدَه الزمان، فيكون تحذيري له بمثابة المنقذ من الضلال، والمخرج من العواصف والأهوال.
فاعلم أيها القارئ أن الأمر لا يتعلق بالبخاري حقًّا وصدقًا، لكنه طابورٌ طويل الذيل، غايته من كتابته الحط على السنة، وإهدار ما أسداه أهلها للناس من مِنَّة.
والأمر كشَفَهُ لنا الإمام العظيم، وشيخ المُحَدِّثين في زمانه: أبو زُرْعَة الرازي رحمه الله تعالى حين قال في معرض كلامه عن الطاعنين في الصحابة الكرام رضي الله عنهم: ((إذا رأيتَ الرجلَ ينتقص أحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديقٌ، وذلك أَنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حقٌّ، والقرآن حقٌّ، وإنما أدَّى إلينا هذا القرآن والسُّنَن أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودَنا ليُبْطِلوا الكتاب والسُّنَّة، والجَرْح بهم أَوْلَى وهم زنادقة)) أهـ
وقل مثل ذلك في كل طاعنٍ في صحابيٍّ أو تابعيٍّ أو إمامٍ من أئمة الدين، فالمراد من طعنهم في هؤلاء: إبطال الكتاب والسنة، وإبطال الكتاب والسنة: هو إبطالٌ للدين كله.
تلك هي غايتهم التي يسعون إليها، ويعملون ليلاً ونهارًا عليها.
والرد على هذا المفتري الآثم على شقَّيْن: مفصل ومختصر، أبدأُ هنا بثانيهما، وهو عبارة عن تصوُّرٍ سريع للمسألة، ووضع الأمر في نصابه، والمجئ به إلى بابه، أما التفصيل فسيأتي لاحقًا مفصلاً بأدلته التفصيلية التي لا يعرفها هذا الآثم الجاني، ولا أمثاله ممن تبعه على طريقته، وشاركه في مِلَّتِه، وسأعمل على الانتهاء منه على وجه السرعة.
أما اختصار الأمر في كلمات، بعيدًا عن خذ وهات، بأيسر عبارة، وألطف إشارة، فهو كالتالي:
يُعد الإمام البخاري رحمه الله إمامًا من أئمة الدين، ورمزًا من رموز المسلمين، لا لكونه البخاري فقط، بل لأن الأمة قد أجمعتْ على كتابه، وأذعنتْ بصفاء جنابه، فكان المخالف للأمة في ذلك خارجًا على المسلمين، مخالفًا لهم في سلامة الدين، إذ قد تكفل المولى المتين، بحفظ المؤمنين، من الاجتماع على ضلالة، أو الانزلاق في بدعة، دون بيانٍ من بعضهم، أو نفيرٍ من علمائهم، وتصحيحٍ من فقهائهم.
ولذا تواترت عنهم الأخبار بصحة الصحيحين، والدفاع عن الشيخين، ونصَّ أهل الإسلام على بدعة من خالف هذا الأصل الثابت، أو طعن في الثوابت، وهذا في كتب أهل الإسلام مزبور، وفي رسائلهم مسطور محبور، يسهل الوقوف عليه للطالب، ويمكن العثور عليه للراغب، وعُدْ إلى بعض كتب المحدثين ترى الخبر واضحًا جليًا، أو إلى كتب الأصوليين، في مبحث كلامهم على السنة، وطرق الرواية، ودليل الأحكام الثاني بعد القرآن، وسأنقل لك في الرد المفصل المشار إليه آنفًا بعض كلامهم فلا تعجل، ويمكنك الوقوف عليها بنفسك في الأماكن التي أشرتُ لك.
ثم قول الآثم الخبيث: إن البخاري أول من خلط بين الوحي المنزل وبين كلام البشر؛ فافتراء وضلالٌ من قائله، يلزمه التوبة منه، لما فيه من تزوير الحقائق، ورمي التهم، وابتداع الشقاشق، ثم هو رمي للأمة بجملتها، بنكارة فِعْلتها، حين رضيت هذا السلوك من البخاري، واعتمدت كتابه حكمًا ودليلاً، وأجمعتْ عليه صحيحًا جميلاً.
وإذا كان الآثم المشار إليه بالرد قد أقرَّ بمخالفته للمسلمين على مرِّ الزمان، في ألف عامٍ مضتْ، وأيامٍ خلتْ، فهل تراه على حقٍّ بعد ذلك، أم تراه قد خفي الصواب على جميعهم، وعَلِمَه هو؟؟
ثم مَنْ هو في سوق العِلم؟
فمن أنتَ بين الرجال؟ وما وزنك في سوق العمال؟
ولقد جمعتَ في كتابك، ما تفرق من كفرٍ في كتب أحبابك، حتى فاحتْ رائحة نتنك، وسئم الحبر من شم عفنك، ولولا إرغامك له على الكتابة بالقهر والإذلال؛ لما طاوعك في حلبة النزال.
فَعُدْ إلى نفسك إنْ كانتْ لا تزال منفوسة، وإلا فإني أراها فطرةً منكوسة.
وسيأتيك في الرد المفصل ما لا تحتمله مفاصلك، ولا تقوى عليه قوائمك، فإذا جفَّ الدم في عروقك؛ فحينئذٍ تعلم نكارة فعلتك، وشناعة قولتك، وتتأكد أن في الزوايا خبايا، وفي الناس بقايا.
فانتظر أيها الآثم ما يأتيك، ولا تغضب فقد ناديتَ على نفسك بما لا يرضيك!!
أما أنتَ أيها القارئ: فما مضى من التحذير هنا يكفيك، حتى أنتهي من تسطير ردي التفصيلي، وكلامي التحليلي، على ما نَثَرَهُ الآثم في كتابه من ضلال، وما بدا على صفحات كلامه من خَبَال،،
ولعلَّك أيها القارئ تربط في ذاكرتِكَ، وتضع في مفكِّرتِكَ: ما جرى في الأوزون من خروم، ثم تقارنه باسم الآثم المحروم ...... (مؤلف الكتاب اسمه: زكريا أوزون).
فإلى هذا الحين ...
ولي معك لقاءٌ لا تنساه.
والسلام على من اتبع الهدى، وآمن بالله ربًّا، وبمحمدٍ رسولاً، وبالصحابةِ عدولاً، وبالأئمةِ هداةً مهتديين، وبالبخاري رحمه الله هاديًا مهديًا، ودليلاً مرضيًا.
¥