ـ[عبدالله بن خميس]ــــــــ[23 - 05 - 04, 02:55 ص]ـ
تراث
عبث المجهول والمعلوم
محمد عبد الله آل شاكر
كل عمل علمي صورة عن صاحبه، وهو الذي يتحمل مسؤولية ما فيه من
خطأٍ، وينسب إليه الفضل فيما أجاد فيه، كما يتحمل اللوم إن كان ملوماً في عمله
أو مقصراً .. وهذا يعني أن صاحب العمل ينبغي أن يكون معروفاً غير مجهول؛ إذ
لا يؤخذ العلم عن المجاهيل والنكرات، كما أن لأصحاب السمعة الحميدة في العلم
والدين مكانة في النفوس، تحمل القارئ على الاطمئنان لما يقولون ولما يصدر
عنهم - عندئذ - منزلة لا تعدلها منزلة آخرين.
وكما يصح هذا القول هنا، يصح أيضاً في التحقيق العلمي للتراث الإسلامي، إذ ينبغي أن ينسب كل تحقيق لمن قام به ويكون معروفاً بمؤهلاته التي تؤهله
للقيام بهذا العمل. ولكن هذه القاعدة لا يلتزم بها بعض المحققين، فتجد على بعض
الكتب والرسائل الصغيرة أمثال هذه العبارات: (حققه بعض طلبة العلم)، أو:
(جماعة من المحققين)، أو: (فئة من الجامعيين)، وعلى بعضها أمثال:» كتبها
أحد طلبة الشيخ «،» جمعها أحد طلبة الشيخ «. (وما أدراك ما طلبة الشيخ!!).
ويبحث القارئ حتى يتعرف على هذا (البعض) أو (بعضه)، أو على هذه (الفئة) مَنْ هُم؟ وما هي مؤهلاتهم ومكانتهم وتجربتهم التي خولتهم القيام بتحقيق تراثنا؟، وما مدى التزامهم بما ينبغي أن يلتزموا به .. ؟ تبحث، فلا تجد شيئاً، لأنك أمام مجهول، وحُقَّ للناس أن يخافوا دائماً من (المجهول).
وحتى لا أطيل على القارئ، أجتزئ بمثالين اثنين:
الأول: (المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز) لأبي محمد، عبد الحق
ابن عطية الأندلسي، وهو كتاب نال ثناء العلماء؛ حتى قال أبو حيان الغرناطي: (هو أجلّ من صنف في علم التفسير، وأفضل من تعرض للتنقيح فيه مع التحرير).
ويصدر الكتاب عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في المغرب العربي،
(ووصل في علمي إلى المجلد الثالث عشر، وعلى غلافه عبارة: (تحقيق المجلس
العلمي بفاس). فحسب.
وقد يكون أعضاء المجلس العلمي الموقرون معروفين بأسمائهم وأعيانهم
وعضويتهم في المجلس نفسه، ولكن لم لا ينسب العلم والجهد لأهله، فيعرف مَنْ
منهم شارك في التحقيق والجهد؟ (وإن كان هذا التحقيق برمته يحتاج إلى إعادة
نظر وتحقيق)
ثم طبع ثمانية أجزاء من الكتاب في (قَطر) بتحقيق وتعليق: الرحالي
الفاروقي (رئيس المجمع العلمي بمراكش)، وعبد الله إبراهيم الأنصاري (مدير
الشؤون الدينية في قطر)، والسيد عبد العال إبراهيم، وسيد الشافعي صادق. فكان
ذلك- فيما يبدو - سبباً لاستخراج مجهول في الطبعة المغربية (وإن كان التحقيق
الجديد أيضاً لم يغن شيئاً عن القديم).
المثال الثاني: (تهذيب موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين) تأليف العلامة الشيخ: محمد جمال الدين القاسمي (رحمه الله). وهو مطبوع أكثر من طبعة، ثم طبع عام 1394 هـ وعام 1405 هـ وعلى جلده وصفحة عنوانه الداخلية تحت اسم الكتاب والمؤلف هذه العبارة: (راجعه وحقق أحاديثه طائفة من الجامعيين).
من هم هؤلاء الجامعيون؟ أهم طلبة مبتدئون في الجامعة، أم هم خريجوها؟ أو لعلهم أساتذة جامعيون؟، فكل هؤلاء يصدق عليهم أنهم جامعيون. وفي أي
جامعة؟ وبأي كلية جامعية هم؟ أهي كلية الشريعة وأصول الدين مثلاً؟ أم كلية
الهندسة بفروعها؟، أو كلية فنون جميلة؟ عِلْم ذلك كله عند الله تعالى (ثم عند من
يعرفهم).
وهذا المثال الأخير، يُسْلمنا إلى ملاحظة أخرى عن التحقيق الذي أصبح
بمفهوم بعضهم مرادفاً للعبث والتلاعب بالنصوص (المسكينة): حذفاً وإضافة
وتصرفاً. وفي هذه خيانة للأمانة وعدوان على التراث العلمي لسفنا الصالح،
وافتئات على المؤلفين، وهو داخل ضمن الكذب والزور [1]، ومجانب للصواب
في عملية التحقيق التي تعني: (تقديم النص كما يريده المؤلف) دون أي تحسين أو تعديل أو تصويب [2].
ونأخذ أمثلة على ذلك من (تهذيب موعظة المؤمنين) أولاً، ثم من غيره ثانياً.
قالت الطائفة من الجامعيين تحت عنوان: (عملنا في هذا الكتاب):
(لقد اعتمدنا هذا المختصر في دراستنا وتحقيقنا، (وهنا إضافة جديدة وهي
الدراسة) وهو مع علو شأن مختصره، احتوى على العديد من الأحاديث غير
¥