الصحيحة، فحذفناها على الغالب لعدم الفائدة من ذكر الأحاديث الضعيفة
والموضوعة، ولو بالتعليق عليها، خشيةً من بلبلة المبتدئين، وحققنا الصحيح من
هذه الأحاديث كما هو واجب على كل باحث .. واستدركنا على الحافظ العراقي في
الأحاديث التي اكتفى بعزوها إلى كتب (السنن) فقط، مع أن فيها العديد من
الأحاديث غير الصحيحة).
وليت شعري! هل أصبح حذف الأحاديث غير الصحيحة من الكتاب لعدم
الفائدة منها، هل أصبح داخلاً في حدود عملهم الذي قالوا عنه: (أولاً: المراجعة
وتحقيق الأحاديث)؟ أو أنه من مقتضيات التحقيق؟ وكيف يحققها وقد حذفها من
الكتاب! ولو كان عملهم الاختصار أو التهذيب أو الحذف، لكان هناك من يسوغ
لهم هذا ويفتي به، أما وإن الكتاب مطبوع باسمه الذي وضعه المؤلف، فلا يجوز
بعد ذلك هذا التصرف فيه.
وإننا نحمد - صادقين - للمحققين غيرتهم على المبتدئين، وخشيتهم من
(بلبلتهم)، وأما (الصحيح من هذه الأحاديث) التي حققوها فهو جهد متطوع بعد صحتها (كما قلتم) - فإذا كانت صحيحة فما داعي تحقيق صحتها؟
وأما استدراككم على الحافظ العراقي-رحمه الله- فليتكم ضربتم مثلاً واحداً له، ولست أدري ما أقول في هذا؟ ورحم الله امرءاً عرف قدر نفسه. وغفر الله لي
ولكم.
ثم تقول فئة الجامعيين:
(2 - وكذلك حذفنا العثرات التي أشار إليها ابن الجوزي، وقد ذكرنا كلامه
في أول هذه المقدمة، مع أنه أبقى بعضها في (مختصره!)
ومرة ثانية: حذف العثرات (ونسأل الله أن يتجاوز عن عثراتنا) ليس داخلاً
في جُبَّة التحقيق ولا في عمامته، ولا في ثوبه ولا في كُمِّ الثوب، لا في التحقيق
ولا المراجعة. ولا يجيز ذلك أيضاً اضطراركم (للقيام بهذا المشروع نصرة للإسلام، وتسهيلاً لمهمة الخطباء والمدرسين، ورغبة في إرشاد المسلمين، وسعياً لتثقيف
أنفسهم بأنفسهم). (وقلتم: إن الكتاب للمبتدئين الذين تخشون من بلبلتهم بالعثرات،
فكيف لا تخشون عليهم من تثقيف أنفسهم بأنفسهم؟، أليسوا بحاجة إلى من يعلمهم
ويثقفهم ويربيهم، أم أن الكتاب بعد جهدكم فيه، أصبح فيه غَناء لهم؟).
(3 - وحذفنا أيضاً من كتاب (موعظة المؤمنين) المسائل المتعلقة بأحكام فقهية عن الطهارة والصلاة والزكاة والصوم والحج، كما حذف أكثرها الإمام ابن الجوزي أو المقدسي، لأنها مستفيضة في كتب مخصصة لها، وهي موضع خلاف بين المذاهب).
عجبٌ لا ينقضي من هذه المراجعة والتحقيق، فإن هذا الذي حذفه الجامعيون
من مسائل الكتاب مما لا ينبغي أن يجهله المسلم، لأنه متعلق بأركان الإسلام، فمن
أول ما ينبغي معرفته بعد الشهادتين والإقرار بهما: الطهارة والصلاة؛ حتى يؤدي
ذلك كله عن علم وفقه.
وهو أيضاً خارج عن طبيعة عمل التحقيق -كما سبق -، وإن كان ابن
الجوزي أو المقدسي حذف أكثرها فلأن ذلك يتسق مع منهجه وعمله وهو الاختصار
والتهذيب، ولا يتسق مع منهجكم الذي زعمتموه. فهذا يختلف عن ذاك. ولئن كان
ابن الجوزي قد حذف أكثرها، لقد أبقى على أقلِّها لفائدةٍ؛ تحرمون القراء منها!
وأما التعليل لهذا التصرف فهو عليل، لأن استفاضة هذه المسائل في الكتب
المخصصة لا تبيح لكم حذفها، وإن كان فليكن تطبيق القاعدة عاماً، ويحذف من
الكتاب كل ما هو مسطور في كتب مخصصة من غير هذه الأحكام.
وما أظن - ولا أي عاقل يظن - أن كل ما هو (موضع خلاف بين المذاهب)
لا ينبغي حذفه من الكتب عند التحقيق، بل إن التحقيق يقتضي إثباته وتحرير
محل النزاع فيه، وبيان الصواب مثلاً مع الأدلة - إن اقتضى الأمر -، ولعلكم
تعرفون أن الخلاف في الأمور الفقهية واقع منذ عهد الصحابة ومَنْ بعدهم، وكتب
الحديث -والمصنفات بخاصة- كلها آثار تبين ذلك ويظهر فيها الخلاف، فهل
تحذف أيضاً عند التحقيق؟
ثم يأتى البند رقم (4) في مقدمة المحققين إقراراً آخر بافتئاتهم على المؤلف،
بإثبات وإضافة ما هو مفيد - برأيهم - في صلب الكتاب، وكان بإمكانهم أن
يضيفوا ما يرونه مفيداً في حاشية الكتاب، قالوا:
(4 - وأثبتنا بعض مباحث وأحاديث وأشعار رأيناها مفيدة، وقد حذفها الشيخ
القاسمي).
فماذا لو رأى غيركم من المحققين أن هذا الذي أثبتموه غير مفيد؟ هل يعيد
حذفه ثانية كما فعل أولاً الشيخ القاسمي؟ وهو قد فعل ذلك، لأن عمله تهذيب
¥