ـ[عبدالله بن خميس]ــــــــ[23 - 05 - 04, 02:57 ص]ـ
تراث
تعددت الأساليب .. والعبث واحد!
محمد عبد الله آل شاكر
(1)
لا يزال الكلام موصولاً بما سبق في العددين السابقين عن بعض ألوان العبث
بتراثنا. وإن مما يتصل بالتصرف في النصوص المحققة ونشرها، أن تجد ذلك
مقروناً بخيانة الأمانة وسرقة جهود الناشرين والمحققين السابقين، حيث يقوم ناشر
جديد فيطبع بعض الكتب القديمة بطريقة التصوير عن الطبعة الأصلية ويحذف من
الصورة اسم الناشر الأول أو المحقق أو اسم كليهما، وقد بذل كل منهما جهداً كبيراً
في الحصول على الأصول الخطية التي طبع عنها الكتاب، ثم قام بمقابلة
مخطوطاته وضبط الكتاب وتفصيله.
وهذه الطريقة تضيع حقوق الآخرين وتنكر جهدهم، فيُنسى فضلهم الذي
سرقه المتاجرون بكتب العلم، الذين يأكلون حقوق الناس ظلماً فيجعلونه باباً من
أبواب الرزق الحرام، ولكن الأثر يكون أكثر أهمية بالنسبة لتوثيق النصوص عند
الباحثين والمعنيين بحركة النشر ومتابعتها ..
وأنت واجد أمثلة كثيرة لهذا اللون من التزوير؛ فقد كان الأستاذ حسام الدين
القدسي - رحمه الله -وقف جهده وعلمه ومكتبته، التي أنشأها في القاهرة بعد
هجرته من بلاد الشام، على تحقيق وطباعة كثير من الكتب الأمهات، في الحديث
وعلومه، وفي اللغة والتاريخ والتراجم .. وتوفي القدسي، ثم جاء تجار الكتب في
بيروت ليعيدوا طباعة كتبه سرقة، وضنوا على صاحب الجهد الأول بإثبات اسمه
أو اسم مكتبته على الكتاب، فأصبحت تجد (مجمع الزوائد) للهيثمي - بأجزائه
العشرة - وتحت عنوانه: (منشورات دار الكتاب العربي - بيروت جميع الحقوق
محفوظة .. ).
وبالطبع الحقوق محفوظة لغير أصحابها، أي للسارقين! درن اي إشارة إلى
عمل القدسي حتى المقدمة التي قدم بها للكتاب، وفيها وصف المخطوطة ليس فيها
اسمه.
والحال نفسه بالنسبة لكتاب (شذرات الذهب في أخبار مَن ذهب) لابن عماد
الحنبلي - الذي طبعه القدسي أيضاً - وسرقته (دار إحياء الكتاب العربي في
بيروت) بطبعات متوالية، ولم تكن (دار الكتب العلمية) أقل حظاً من غيرها في
التزوير والادعاء، فهي تعيد طبع الكتاب وعلى صفحته الداخلية تحت العنوان تجد
هذه العبارة من الطبعة السابقة وفيها إيهام للقارئ، تقول مثلاً: (عن نسخة دار
الكتب المصرية العامرة، مع إتمامها ومقابلة بعضها بنسخة كوبريلي محمد باشا
بالأستانة) وهو ما تجده في كتاب (الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء) لابن
عبد البر الذي نشره القدسي سابقاً؛ فتظن أن دار الكتب العلمية أو صاحبها أو لجنة
التحقيق فيها - قد قامت بجمع النسخ ومقابلتها حتى أخرجت الكتاب مقابلاً مصححاً
ومفهرساً أيضاً!
وهكذا الحال أيضاً مع كتب الخانجي والحلبي والساسي المغربي، التي طُبعت
أولاً في مصر ثم عثر عليها الآخرون من الناشرين الجدد!.
(2)
وإن كان بعض الناشرين (السارقين) يبقون على اسم المحقق، لصعوبة إخفائه، نظراً لطبيعة العمل الذي فيه وعدم تصديق أحد أن الناشر الجديد يمكن أن يقوم بما ليس من شأنه؛ فإنهم يحذفون اسم الناشر الأول أو اسم المطبعة فحسب، أشرت إلى أن هذا له أثره في عملية التوثيق، فقد أخرج المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية كتباً كثيرة منها (موطأ الإمام مالك، رواية محمد بن الحسن) تعليق وتحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف. ثم أعادت طبعه بالتصوير المكتبة العلمية، مع حذف اسم المجلس فأصبح الكتاب يُعرف بطبعة (المكتبة العلمية)!.
وبهذا الأسلوب نفسه طبع (تفسير الطبري) بتحقيق محمود شاكر وتخريج
أحمد شاكر، الذي أخرجته دار المعارف بالقاهرة، وصدر الجزء الأول منه عام
1374 هـ، وتوقف المشروع عند المجلد الخامس عشر هذا الكتاب نشرته منذ
عامين في القاهرة نفسها (على عينك يا تاجر!) مكتبة ابن تيمية (رحمة الله
على ابن تيمية) مع حذف اسم الدار وإضافة عبارة (الناشر: مكتبة ابن تيمية)
وبذلك انتهى دور دار المعارف مشكورة غير مأزورة.
وليس هذا كل ما تجده من أمثلة، ولكن حسبنا هذه الإشارة التي تغني عن
الإطالة، وإلا فإن الأمر تجاوز الحد وعجزنا عن الحصر، لنأخذ لوناً آخر من
العبث الذي لا يجوز السكوت عليه بحال.
(3)
يزداد الضرر أكثر عندما يقوم ناشر جديد، أو محقق تاجر، على طبع كتاب
¥