كصحيح مسلم، وموطأ مالك، وسنن ابن ماجه (رحمهم الله جميعاً)، والشيخ أحمد
شاكر في (المسند) للإمام أحمد.
والكتب الأصول أَوْلى بالعناية والاهتمام والإخراج المتقن الذي يليق بها
وبمكانتها، وكم من هذه الكتب، مما لا يزال مخطوطاً، أو مطبوعاً طبعات قديمة
رديئة! يحتاج إلى عناية! ومما يتصل بهذا: العناية بكتب (الزوائد) في الحديث، مع وجود الكتب الأصلية التي جُرَّدت زوائدها. فمع وجود (صحيح ابن حبان)
مثلاً، لا ينبغي الاشتغال بزوائده، لئلا يكون ذلك على حساب عمل آخر أكثر
أهمية، ومع وجود (معاجم الطبراني الثلاثة) تقل أهمية زوائدها، ما لم يكن في
هذه الزوائد فوائد خاصة بها، وقد كان لهذه الكتب أهميتها عند عدم وجود كتب
الأصول، ويصدق هذا أيضاً على (مختصر استدراك الذهبي على مستدرك الحكم)
فهو تلخيص للملخص، وكان الأجدى العناية بالمستدرك نفسه. والطريف أن
المستدرك يقع في أربع مجلدات، وتلخيص التلخيص يقع في سنة مجلدات!
- 7 -
وفي غير كتب الحديث. نجد رسائل لا تتجاوز عشرين سطراً من المخطوط، أو لا تبلغ ورقة منه، فينفخ فيها المحقق ويحقنها بالدراسة والترجمة والتعليق
ومنهج البحث، وما شئت من هذه الألفاظ التي يتشدق بها، فتفعل هذه الحقنة فعلها
في تضخيم هذه الورقة أو الوريقات فتجعل منها كتاباً راشداً يستوي على قدميه.
وقد نجد لمؤلف واحد مجموعة كبيرة من الرسائل، يخرج المحقق لها كل
رسالة بغلاف مستقل، وكان أولى وأجدى وأكثر حفظاً لهذه الرسالة، لو أنه أخرج
المجموعة كلها بكتاب واحد، مع دراسة موجزة وتحقيق وتوثيق، لئلا يتكرر هذا
مع كل رسالة بمفردها.
وتجد مثلاً على ذلك في: (ذوق الطلاب في علم الإعراب) تأليف الشيخ
محمد أحمد عبد القادر الحفظي، تحقيق عبد الله محمد حسين أبو داهش. يقع
الكتاب في صفحتين اثنتين مجرداً من الهوامش، ومع الهوامش والتعليقات يبلغ (5)
صفحات، فإذا جمعتها مع المقدمات والتعريف بالكاتب بلغت (33) صفحة. قال
المحقق: (وقد رأيت تحقيق هذا المخطوط سبيلاً للتعريف بأسرة آل الحفظي، برجال ألمع، ودعوة لتحقيق تراثهم النادر .. ) ودون أن نتساءل عن قيمة هذا التراث - الذي اطلعت على نماذج محققة منه - لأنه يحتاج إلى دراسة؛ ترى ما هي علاقة موضوع الكتاب بهذا الذي أراده المحقق؟ ثم أليس بإمكانه أن يكتب كتاباً عن أسرة آل الحفظي وتراثهم، ثم يجمع هذا التراث في ضميمة واحدة؟
وما يصدق هنا يصدق على رسائل السيوطي - التي كانت في طبعتها الأولى
بمجلدين فأصبحت الآن مئات الكتب كل كتاب ورقتين أو ثلاثة وقد يزيد - وكذلك
في رسائل الملا علي القاري التي ظهرت أخيراً موزعة مفتتة، وهي في أصلها
مجموع واحد!
ولعله لا يغيب عن ذهن القارئ: أن هذه الملاحظات لا تعني التقليل من
أهمية الكتب التي سبقت الإشارة إليها، ولا تعني إهمالها، ولا أننا ننقص أصحاب
الجهد ونبخسهم حقهم، وإنما قصدت إلى توجيه العناية بالأمهات والبدء بالأولويات
وتقديم ما هو أكثر أهمية على ما هو أقل في الأهمية. كما قصدت المحافظة على
هذا التراث من الضياع، وعلى الجهد من أن يتبدد أو يذهب سدى.
- 8 -
وإذا كان من الأجدى أن يبدأ الباحثون من حيث انتهى غيرهم، كما يستفيدوا
من جهود السابقين، ويتابعوا عملية إتمام البناء الذي سبقوا إليه، فإنه من العبث،
ومن التجاهل لجهود الآخرين، أن نقوم بتكرار العمل وإضاعة الجهد في كتب قد
خدمت خدمة طيبة.
ويعرف الجميع ما قام به الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي، وما بذل من عناية
في إخراج بعض كتب السنة، مما سبقت الإشارة إليه، فمثلاً: أخرج (سنن ابن
ماجه) في جزئين، وحقق نصوصه، ورقم كتبه وأبوابه وأحاديثه، وضبط كلماته، وعلق عليه، واقتبس خلاصة مما كتبه البوصيري في (الزوائد)، وصنع له
الفهارس التي تعين على الاستفادة منه، مع عناية بالغة وإتقان في الإخراج. ومع
هذا كله، فإن أول كتاب اتجهت إليه عناية الدكتور الأعظمي، من الكتب الستة،
هو كتاب (سنن ابن ماجه) نفسه، فقد أخرجه في أربع مجلدات، اثنان منها
للفهارس، مستعيناً بالحاسب الآلي. وما أظن أن هناك ما يسوغ هذا العمل رغم ما
قد يكون فيه من استدراك على السابق، ولكنه أمر يسير. ولعل الله يهيء له العمل
¥