لإنجاز مشروعه وقد اتجهت الجهود لما ينبغي أن تتجه إليه.
- 9 -
ومن صور العدوان على تراثنا العلمي والعبث به، ما قد يدعو إليه زعم
التيسير والتسهيل، وكأننا أمة لم تخلق إلا لهذا السهل اليسير الذي استمرأناه،
وليس من شأننا أن نرتفع بأنفسنا إلى مستوى الأمة القائدة الرائدة التي لا تعبأ
بالصعاب، وتبذل كل جهد لتبقى متربعة على قمة المجد.
وباسم التيسير والتسهيل، يعمد أحدهم، وقد يكون فرداً أو مؤسسة، إلى
كتاب من كتب التراث فيغير ترتيبه، فلا هو الكتاب الذي وضعه مؤلفه، ولا هو
كتاب أنشأه مرتبه، مع أن الكتاب الأول معروف منذ قرون متطاولة بشكله الأول،
والعزو إليه وهو في صورته تلك ... ومن أقرب الأمثلة لهذا: (لسان العرب) لابن
منظور الذي طبعته دار المعارف بمصر طبعة جديدة مرتباً على أوائل الكلمات
كطريقة (أساس البلاغة) أو (المصباح المنير).
- 10 -
وبعد: فقد سبقتنا الأمم الأخرى أشواطاً كثيرة في العلم المادي وفي الصناعة
وغيرها، لو ركضنا ركضاً ما استطعنا - وهذا حالنا - أن نلحق بها، فضلاً عن
أن نسبقها، ونحن في ذلك مقصرون ومفرطون تفريطاً معيباً، فلا أدري لماذا
ينصرف إخواننا الكرام، أصحاب المؤهلات والتخصصات العلمية، عن
تخصصاتهم ومجال إبداعهم رغم حاجتنا إلى جهودهم، ينصرفون عن هذا إلى
مجالات أخرى، فيكتب الطبيب في الفقه والحديث، والمهندس في الجرح والتعديل، والكيميائي في التفسير، والشاعر الأديب يتحول إلى فقيه ... بحجة أنه ليس في
الإسلام (هيئة أكليروس) أو بحجة الاجتهاد ومحاولة التقليد ... هكذا دون احترام
للاختصاص - ونحن في عصر التخصص الدقيق كما يقولون - ولا احترام للعلم
وأهله، وقد لا يملكون المؤهلات التي تؤهلهم لما يقومون به، أو إن تكوينهم العلمي
والفكري الذي درجوا عليه، قد لا يساعدهم على إتقان ما توجهوا إليه أخيراً -
عندما عزفوا عن القيام بفرض كفائي -، أو أنهم يفهمون عبارات العلماء وأقوالهم
على غير وجهها ويضعونها في غير موضعها، فأصبحت تجد تعليقاً على حديث
أخرجه مسلم، مثل هذه العبارة (حسن على رأي من يقبل عنعنات الصحيحين،
وهما ابن صلاح والنووي) يعني أنه ضعيف عند غيرهما! وهو من أحاديث الصحيح ... وتجد أمثال هذه العبارة: (قال النووي - وليس كما
زعم -) أي ليس كما زعم النووي - رحمه الله -، وزعم مطية الكذب كما يقولون. فأين الأدب واحترام العلماء الذين أرشدنا إليه النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ أم أن المحققين يشغلون أنفسهم بالسند دون العمل بالحديث!
وأسأل الله لي ولهم ولجميع المسلمين الهداية والتوفيق، و (أن يرزقنا فهماً
في كتابه وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، وأن يرزقنا قولاً وعملاً يؤدي به عنا
حقه، ويوجب لنا نافلة مزيده). والحمد لله رب العالمين.
ـ[عبدالله بن خميس]ــــــــ[23 - 05 - 04, 03:00 ص]ـ
تراث
هجوم على العمالقة
محمد عبد الله آل شاكر
- 1 -
قال لي صاحبي يوماً وهو يحاورني: لقد أجمعت أمري على أن أفاجئ العالم
باختراع جديد، وسَبْق فريد، أسجِّل حقوقه، فلا يعتدي أحد عليها بالسطو أو
التقليد .. قال هذا، وعلامات الجد ترتسم على محياه، فما عهدت منه إلا الصرامة والجد. فلا بد - إذن - أن شيئاً جديداً نافعاً يفكر فيه صاحبنا كيما يقدم للأمة ما قد يكون سبباً في رفعتها وتقدمها الماديّ والمعنوي، فتغدو وقد بزَّت غيرها من الأمم، وتربعت على كرسي الزعامة والريادة.
وبادرت صاحبي بالسؤال عن هذا الاختراع الفريد؟! فقال: إنه جهاز
لضغط العمالقة الكبار، لتحويلهم إلى أقزام صغار! فضحكت حتى وقعت لقفاي
وفحصت برجلي .. : جهاز لضغط العمالقة! ضحكت، أولاً، لطرافة الفكرة
وغرابتها، وضحكت ثانية: للنكتة تجري على لسان صاحبي - فقد ظننتها نكتة -
وما عرفته كذلك. فإذا به ينتهرني لأكفَّ عن ضحكي، فالموقف غاية في الجد
والخطورة، فليست هذه نكتة، ولكنها فكرة جديدة، لها سوابق تاريخية واقعية
تعطيها صفة المشروعية.
فقلت في نفسي: أَمَا وإنّ الأمر جدّ خطير، فينبغي أن أحذِّر صاحبي من هذا
العدوان المبيَّت على العمالقة. فما أظنهم يتركونه يعبث بسمعتهم عندما يفكر
بتحويلهم إلى أقزام، فضلاً عن أن يتركوه يمضي في تحقيق ما يريد! وإن تواضع
¥