أَوَ لا يمكن أن نخفف من حدة الأمر والتهويل به؛ بأن هذا كله في أبواب
الترغيب والترهيب ونحوها، التي يتساهل العلماء في الرواية فيها بشروطهم،
حيث يقول الإمام أحمد وغيره: إذا روينا في الترغيب تساهلنا، وإذا روينا في
الأحكام أردنا هكذا - وقبض يده -؟ وإلا فهل كان البخاري عاجزاً عن انتقاء
أحاديث» الأدب المفرد «مثلاً من الصحاح بشرطه المعروف؟ وكذلك الذهبي في
كتابه» الكبائر «، والنووي في» الرياض «، بحيث لا يخالفهم الشيخ عبد المنان
في تصحيحها؟
أما هذا الترتيب لأحاديث الكتاب» في الأبواب المناسبة لها «- كما قال-
فهو تغيير يمسّ أصل الكتاب. وليس من حق المحقق أن يغير الكتاب بما يراه،
وإذا أراد ترتيباً معيناً فيمكن أن يكتب كتاباً يرتبه كما يشاء. والغريب أنه يفعل
فعلته تلك، وهو الذي لازم شيخه الأرنؤوط في البحث والتحقيق ست سنوات في
مكتب التحقيق بمؤسسة الرسالة، عندما كان يحقق أمهات كتب الحديث والتراجم
(صحيح ابن حبان، العواصم والقواصم، شرح مشكل الآثار .. شرح الطحاوية ..
سير أعلام النبلاء) فهل كان عمل مكتب التحقيق بإشراف الشيخ الأرنؤوط هو
السطو على كتب الأئمة وتغيير ترتيبها؟ ولست أدري كيف فات هذا العمل في
الترتيب كلَّ من قام بتحقيق الكتاب وطبعه قبل الشيخ عبد المنَّان؟ لعل فيهم من لا
يعرف أهمية هذا العمل وخطورة الأحاديث الضعيفة؟ فماذا نقول إذن عن الشيخ
الألباني؟!
فإذا غادرنا صفحة الغلاف إلى المقدمة نجد المحقق يقول معدَّداً ما امتاز به
عمله، فيذكر الأمر الأول، وهو:» تهذيب الكتاب واختصاره في صورة لا تخل
بمقصود الكتاب، بل تزيده دقة وفائدة (والحمد لله على التواضع والإنصاف، فقد
أشار إلى أن في الكتاب دقة وفائدة، ولكنهما بحاجة إلى زيادة) ويسهل تناوله أكثر
بين الناس، دون إنقاص فائدة من فوائده، وكانت الغاية من هذا التهذيب أن ينال
الكتاب بأقرب الصور، ويقرأ دون ملل في وقت قصير .. «.
أما أولاً: فإن كلام المحقق صريح في أنه اختصر الكتاب. فليكن إذن عنوان
المطبوع» مختصر رياض .. «وإلا فكيف ينسب للنووي كتاباً لم يضعه بهذه
الصورة؟
وثانياً: هذا» التهذيب «الذي يدندن حوله، فمرة أخرى أسائل القراء الكرام: من الذي يحتاج فعلاً إلى تهذيب (بل إلى تعزير وتأديب) .. ؟
والتطاول على النووي - ثالثاً - صريح في تلك العبارة، وفي غيرها
صراحة أكثر، لأن مفهوم كلام صاحبنا أن الكتاب كان بحاجة إلى زيادة» دقة
وفائدة «فجاء التهذيب والاختصار تحقيقاً لذلك. ورحم الله امرءاً عرف قدر نفسه.
وما إخال إنساناً سوياً، خلقه الله ووهبه عقلاً، يشكو صعوبة تناول كتاب
النووي، حتى جاء صاحبنا ليسِّهل له ذلك بالتهذيب كيما يناله بأقرب الطرق (حتى
ولو كانت مشروعة). والغريب حقاً: أنه يفعل ذلك» ليقرأ الكتاب دون مللٍ في
وقت قصير «مع أن صفحاته الستمائة تقريباً تعادل حجم الأصل، ومن ذا الذي
سمعتموه - يا معشر القراء العقلاء - يشكو من طول الكتاب ومن الملل في قراءته؟
ورابعاً: زعم المحقق أنه اختصر الكتاب ليسهل تناوله» دون إنقاص فائدة
من فوائده «كيف يصح هذا، وهو الذي كتب في بيان عمله متبججاً أنه: حذف
الآيات المتكررة المعنى واللفظ، وحذف المكرر من الحديث، وحذف تخريجات
النووي، وحذف بعض الأبواب، وبعض الأحاديث الصحيحة (!) .. حتى بلغ
الحذف أحد عشر بنداً. فهل كان هذا المحذوف لا يخلّ بفائدة من فوائد الكتاب؟
وهل كان ذلك كله حشواً، فجاء هو لينزه الكتاب عنه؟ ولست أدري ما الذي تركه
للمحققين من بعده ليحذفوه في طبعات أخرى؟
ثم يبلغ التطاول حداً كبيراً يتجاوز السنة ويصل إلى القرآن الكريم، فهو
يحذف» الآيات المتكررة المعنى واللفظ إن كانت في باب واحد «. فما أدري -
والله - ماذا يقول علماؤنا في هذا؟ أين يجدون الآيات الكريمة المتكررة لفظاً
ومعنىً؟
وإن كنا قد فهمنا غرض المحقق من حذف الأحاديث الضعيفة، فكيف نفهم
غرضه من» حذف بعض الأحاديث الصحيحة من الكتاب إذا كانت هذه الأحاديث
مما ذَكَرْتُه (أي المحقق) في الباب نفسه في الحاشية «. فهل أصبح من مقاصد
الشريعة وغايات التحقيق أن نحذف من المتن لأجل الحاشية؟ فننزل بالأصل مكاناً
¥