ولكنه حتى إن وصل فلن نستطيع قبوله والاحتجاج به، غاية ما هنالك الاستشهاد به، لأن أول قاعدة في ديننا لقبول كلام أي إنسان لدرجة الاحتجاج به أن يكون مسلمًا، وهذه نقطة معروفة، بل أراها نقطة عقلية ومنطقية إذ أني أظن أن لو واحدًا ذهب لعلماء أي ملة وأخبرهم بكلام يخص نصوص دينهم لن يصدقونه طالما ليس على نفس ملتهم، غاية ما هنالك أن يأنسوا بكلامه لا أكثر.
ثم ذهب الدكتور ينقل كلامي إلى نقطة لا علاقة لها البتة بالموضوع، وهي الفرق بين النساخ والوراق، وأن الوراق لا وجود له في ذلك العصر، مع أني لم أتعرض لهذه النقطة البتة، وإنما مراده أن ينقلني إلى نقطة أخرى وهي إثبات خلطي بين الوراق والنساخ، ثم راح يعرفني بما أعرفه، ولا أحتاج فيه إلى مزيد إيضاح فيه، وقد فاته أنه هو الذي أخطأ بذلك خطأً بينًا؛ إذ أني لم أقل أصلا بوجود الوراقين في ذلك العصر، بل ولم أذكر أصلا كلمة وراق في مباحثتي معه حول المخطوط، وإنما ذكرتها في موضوع آخر تمامًا، وهو مباحثتي معه حول نقطة أخرى تمامًا، وهي أن غاية ما يصل إليه كثير من المستشرقين هي أن يكونوا وراقين، أو نساخًا، وأظن أن ذلك كان واضحًا جدًا، أريد أن أعرف ما علاقة دمج هذا بذاك، ثم اختراع موضوعًا ثالثًا مُوَّلدًا، للانتقال إليه بزعم أني أخطأت فيه، مع أني لم أقله كما هو واضح، على كلٍّ فقد زدته بيانًا ووضوحًا حتى لا يبقى أي غموض.
عودًا على بدء: هذه واحدة، والأخرى أنه تكلم على نقطة لا أدري ما علاقتها بالموضوع وهي أن المتكلم ليس ناسخًا بل عالمًا!!! ولا أدري حقيقة ما فهمه من كلامي فجعله يرد بذلك، أو أنه لم يجد ما يرد به فأراد نقلي لنقطة أخرى لا علاقة لها بالموضوع وهي أني أطعن في المتكلم فأنقله من درجة العالم إلى درجة الناسخ، وهو بالطبع اصطلاح جديد، وهو نزول رتبة الناسخ عن رتبة العالم، والواقع أن هذا لا علاقة له بذاك، إذ لا عيب أن يكون العالم ناسخًا لكتب غيره من أهل العلم، فيقال: نسخه فلان، أو نُسِخَ بخط فلان، فلا ينزل ذلك من رتبته أي شيء البتة!!!
وما قصدت أثناء استدلالي بكلام ناسخ هذه النسخة التفريق قط بين الناسخ الذي لا علم له، والناسخ العالم، وإنما ذكرت ذلك في نقطة أخرى تماما، وهي الكلام على النساخ الذين لا علاقة لهم بالعلم، ومشابهة المستشرقين لهم في هذه النقطة.
فلا أدري ما السبب وراء اختلاط الفهم عندك، إلا أنك قد قرأت ردي بعجالة، وعصبية، أو أنك أردت أن تحول الموضوع إلى أن اعتراضي مبني على ناسخ المخطوطة، والواقع يشهد أني لم أتعرض لصاحب المخطوط بطعن للرد عليك، بل: إني استشهدت بكلامه للرد عليك، فأنا استشهد بكلامه، ولا أرده فما الداعي لقولك:
"هناك علماء يتحدثون اليك في هذه المقابلات "
حقيقة دكتور الأجدر بتوجيه القول إليه أنت لا أنا.
ولا أدري ما الفارق المؤثر في موضع بحثنا؛ إذ أن الناتج واحدٌ في الحالتين، بل لو ثبت كونه عالمًا فقيام الحجة عليه أقوى لأن الحجة قائمة بقول الناسخ:
"وصحح على ما وافقه من لفظ أو معنى وما كان من خلاف بيّن ذكر"
فالمطلوب قائم لم يزل، بل إن رادك زاده حجية عليك، وهي أن العلماء ما كانوا يلتفتون إلا إلى الخلافات البينة، فما علاقة هذا بمن يذكر كل ماهب ودب.
والأغرب قول الدكتور موراني:"لم أجد مثلها في زاوية المغاربة بالأزهر ... هل دخلت هذه المكتبة؟ "
حقيقة فائدة عظيمة جدا: أول مرة أعرف أن مقياس علم الشخص بعدد المكتبات التي دخلها وزارها!!!
على هذا فالحمالون الذين يحملون الكتب إلى المكتبات أعلم أهل الأرض!!!
غير أنني أزيد الموضوع وضوحًا وأقول: إن الدكتور لم يكن كلامه أصلا الذي أشعر فيه بإنفراده بما لا يعلمه إلا القليل متناولا لمكان الوجود، بل كان كلامه على المصدر المخطوط، وهذا نص كلامه:"أود أن أذكر بعضا من المصادر القديمة في التراث قد لا يعرفها الا القليل النادر"
أريد أن أعرف يادكتور ما علاقة هذا بذكرك زاوية المغاربة في سياق الكلام، الواقع أنني قلت للدكتور أن كلامه في انتقاص للعلماء وطلبة العلم، أراد أن يتخلص من ذلك باختراع مسألة كون قصده ندرة المكان، لا ندرة المصدر.
مع أن المكان ليس نادرًا، لأني لا أحصي عدد المرات التي دخلتها فيه، بل ودخله غيري من المهتمين بأمر المخطوطات، ولم أر في دخولي إليه أو غيره من مظان وجود المخطوطات أي نوع للفخر أني ذهبت إلى المكان الفلاني، أو أني عثرت على المخطوطة الفلانية فيه.
أخيرًا: أقول للدكتور موراني أني لا أقصد مطلقًا أي سباب -حاشا لله-، أو انتقاص، وإننا نحن نتباحث في مسألة، وأنت احتددت عليَّ بلا داعٍ، فهدف كلانا الحق، لا مجرد الانتصار للرأي، لأن المرء ينبغي عليه أن يستدل ثم يعتقد ما أرشده إليه الدليل، لا أن يعتقد أولا ثم يحاول تأييد رأيه بشتى الوسائل، لأن هذا يوقع في خطأ في المنهج العلمي بلا شك كما تعلم يادكتور
وأخيرًا: غرض كلانا الحق أينما كان، فاللهم أرشدنا للحق، وأرشد الحق إلينا.
والحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم
¥