[الحاوي في الطب أضخم موسوعة طبية]
ـ[المعارف]ــــــــ[19 - 07 - 04, 12:51 ص]ـ
الحاوي في الطب والتداوي
أضخم موسوعة طبية في علم الأمراض والأدوية ظهرت باللغة العربية حتى الآن. فقد جمع فيه الرازي الكثير من الملاحظات السريرية التي لم تكن معروفة من قبل، وأضاف إليها جميع ما يحتاج إليه الأطباء من حفظ الصحة والمداواة والأمراض والعلل التي تكون بالتدبير والأغذية، إلا أنه لم يتكلم عن الأمور الطبيعية والعلاج باليد. وكان منهج المؤلف في كتابه أنه كان يصف أعراض كل مرض ويذكر العلاج الموافق له، ثم يؤكد تشخيصه وصحة مداواته بأمثلة كثيرة وشواهد متعددة.
وقد كتب الرازي هذا الكتاب على شكل قصاصات من الورق أثناء مرضه عند أخته خديجة. وبعد وفاته أخذت أخته بعضا من هذه الوريقات وقرأتها. فحكمت عليها بالتفاهة وأبقتها لديها دون أن تراها أو تنظمها. وظل هذا الصندوق من الورق مغلقا -في بيتها- سنوات طويلة حتى جاء ابن العميد وزير السلطان إلى "الري" حيث البيت الذي مات فيه الرازي. فدفع لخديجة نقودا كثيرة وأخذ الصندوق معه. ثم جمع أطباء المدينة وتلامذة الرازي وطلب منهم أن يضعوا من هذه الوريقات المتراكمة المفيدة كتابا صالحا للتدريس والقراءة. ولم يتمكن تلامذته من تصنيف الكتاب تصنيفا محكما منطقيا، بل جمعوه حسب اجتهادهم فكان كتابا ضخما كبيرا، أسموه الحاوي في التداوي
وهناك أمثلة كثيرة استعرضها الرازي في كتابة لكثير من الحالات ووصف علاجها.
"كان عبد الله بن سوادة فريسة حمى قوية كانت تعاوده كل سنة وأحيانا كل يومين وأحيانا أخرى كل أربعة أيام ... وكان يصحبها دوما ارتجاف قليل ويكثر فيها ماؤه. فقلت له: إن حالته هذه ناتجة عن حمى الملاريا أو عن دمل في كلوته. وبعد وقت قليل وجدت قيحا في بول المريض، فأخبرته بأن عهد الحمى قد ولى، وهكذا كان؛ والذي منعني في البدء عن الكشف بشكل نهائي أكيد على هذا الدمل في الكلوة يرجع إلى كون المريض مصابا بالحمى المتغيرة. وكان اعتقادي بأن سبب هذه الحمى يعود إلى التهابات داخلية صحيحة؛ وأن العليل لم يشك لي أوجاعا في حوضه كلما هم بالقيام، ونسيت أن أسأله ذلك. فالإكثار من التبويل أكد ظني بوجود دمل في كلوته. ولو أنني علمت بأن أباه قد عانى الكثير من ضعف في المثانة وبأنه قد عالجها في صباه لما ترددت لحظة في معاينتي. لذلك فإنه من واجبنا عدم إهمال أي شيء وبذ ل العناية القصوى في البحث كما أراد الله! ولما أخذ المريض في إنزال قيح من بوله وصفت له مدرا للبول حتى صفا البول من القيح وبعدها وصفت له دواء ناجعا".
ولقد انتقد الأهوازي الكتاب بسبب سوء التنظيم والترتيب إلا أنه علل ذلك بقوله: "فأما كتابه المعروف بالحاوي فوجدته قد ذكر فيه جميع ما يحتاج إليه المتطببون من حفظ الصحة ومداواة الأمراض والعلل التي تكون بالتدبير والأدوية والأغذية وعلاماتها ولم يغفل عن ذكر شيء مما يحتاج إليه الطالب لهذه الصناعة من تدبير الأمراض والعلل غير أنه لم يذكر فيه شيئا من الأمور الطبيعية كعلم الاستقصات والأمزجة والأخلاط وتشريح الأعضاء ولا العلاج باليد ولا ذكر ما ذكره من ذلك على ترتيب ونظام ولا على وجه من وجوه التعاليم ولا جزأه بالمقالات والفصول والأبواب على ما يشبه علمه ومعرفته بصناعة الطب وتصنيف الكتب إذ كنت لا أنكر فضله ولا أدفع علمه بصناعة الطب وحسن تأليفه للكتب والذي يقع لي من أمره أو أتوهمه على ما يوحيه القياس من علمه وفهمه في هذا الكتاب إحدى الحالتين: إما أن يكون وضعه وذكر فيه ما ذكره من جميع علم الطب ليكون تذكرة له خاصة يرجع إليه فيما يحتاج إليه من حفظ الصحة ومداواة الأمراض عند الشيخوخة ووقت الهرم أو النسيان أو خوفا من آفة تعرض لمتبه فيعتاض منها بهذا الكتاب وكذلك لكثرة تجريده التآليف من التعظيم، وإما لأن ينتفع الناس به له ذكر حسن من بعده فعلق جميع ما ذكره فيه تعليقا ليعود فيه فينظمه ويرتبه ويضيف كل نوع منه إلى ما يشاء كله ويثبته في بابه على ما يليق بمعرفته لهذه الصناعة فيكون الكتاب بذلك كاملا تاما فعاقه عن ذلك عوائق وجاءه الموت قبل إتمامه ... "
النسخ المحققة
النسخ المخطوطة من كتاب الحاوي لا يوجد منها إلا نسختين قامت دائرة المعارف العثمانية في حيدر أباد بتحقيق وطبع كتاب الحاوي عام 1391هـ / 1971 م. نقلا عن نسخة عربية موجودة في مكتبة الأسكوريال بمدريد، وهي تقع في ثلاثة وعشرين جزءا، حيث بلغ عدد صفحات الجزء الواحد بين (400 - 600) صفحة تقريبا.
النسخ المترجمة
في أوروبا، وقبل 600 عام كان لكلية الطب في باريس أصغر مكتبة في العالم، حيث كانت هذه المكتبة لا تحتوي إلا على كتاب واحد فقط وهو "الحاوي". وكان هذا الأثر العظيم ذا قيمة علمية كبيرة، لدرجة أن لويس الحادي عشر، اضطر إلى دفع اثني عشر مار كا من الفضة ومائة تالُر من الذهب الخالص مقابل استعارة هذا الكتاب، لكي ينسخ له أطباؤه نسخة، يرجعون إليها إذا ما هدده المرض أو أصابه داء في صحته أو صحة عائلته. وقد قام بترجمته إلى اللغة اللاتينية فرج بن سالم عام 677هـ / 1279 م وأطلق عليه اسم ( Continens) وطبع في مدينة بريشيا عام 891هـ / 1486 م، وأعيد طبعه في مدينة البندقية عام 948هـ / 1542 م. وهكذا ظل "الحاوي" المرجع الأساسي في تعليم الطب في أوروبا لمدة تزيد على 400 عام، دون أن يزاحمه كتاب آخر.
ولقد اعترف الباريسيون بقيمة هذا الكتاب وبفضل صاحبه عليهم في تعلم الطب، فأقاموا له نُصبا في القاعة الكبيرة في كليات الطب لديهم، كما علقوا صورته وصورة الرازي في قاعة كبيرة أخرى تقع في شارع سان جيرمان، وذلك ليتذكر طلاب الطب في باريس قيمة هذا الكتاب العلمية وفضل صاحبه عليهم إذا وقعت أبصارهم على هذه الصورة.
http://almaref.tripod.com