وأقول إن كان تقيدا حقيقة لزم بقاء الخوف في دار النعيم والله يقول يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون الزخرف 68 ويقول أدخلوها بسلام آمنين الحجر 46 والاجماع قائم على أن الجنة لا خوف فيها ثم يلزم أن يبقى لأهل النار طمع في الخروج منها وروح بذلك وليس لهم روح ولا فرج وإن أريد الإخبار بأنه لو شاء تعالى عدم خلود الفريقين لكان له في ذلك حكمة وان المراد من الاستثناء الاعلام للعباد باتساع نطاق حكمه فهذا قد يقال إنه وجه وجيه.
ثم ذكر ابن القيم وجها قاله لابن قتيبة كالوجه الذي نقله عن الفراء ولم ينقله لأنه هو وإنما اختلفت العبارة ثم قال:
وقالت طائفة ما بمعنى من من قبل قوله تعالى فانكحوا ما طاب لكم من النساء النساء 3 المعنى إلا من شاء ربك ان يدخله النار بذنوبه من السعداء والفرق بين هذا القول وأول الأقوال أن الاستثناء على ذلك من المدة وعلى هذا القول من الأعيان.
وأقول: هذا القول يفتقر إلى تقرير يتضح معه مراد قائله وتقريره أن الاستثناء من الذين سعدوا قبل الحكم عليهم بقوله ففي الجنة فيكون المعنى وأما الذين سعدوا الا من شاء الله ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض لما تقرر في النحو والأصول أن إخراج المستثنى من المستثنى منه قبل الحكم عليه بالخبر إلا أنه يلزم على هذا القول ان تكون الأقسام أربعة.
قوم سعدوا حكم لهم بالكون في الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض وهم الذين استثنى منهم.
وقوم سعدوا ايضا لكن لم يبين من الآية حكمهم وهم الذين افادهم إلا من شاء الله.
وقوم شقوا محكوم عليهم بالكون في النار خالدين ما دامت السموات والأرض.
وقوم شقوا لم يتبين حكمهم كما عرفت.
ومعلوم أن الموجود في الواقع ثلاثة أقسام موحدون وملحدون لا وعصاة الموحدين فيكون المراد من الآية على هذا ان قوما دخلوا في السعداء باعتبار أنهم شاركوهم في التوحيد ولكنهم فارقوهم في الكون في الجنة خالدين فيها ودخلوا في الأشقياء باعتبار انهم قارفوا أن ما أغضب الله عليهم من المعاصي ولكنهم فارقوا بعدم الكون في النار خالدين.
فالقسم الثالث تحته قسمان باعتبار دخولهم تحت بالسعادة مع الذين سعدوا وبالشقاوة مع الذين شقوا كما عرفت فكانت الاربعة ثلاثة وتكون الآية قد بين فيها حكم الفريقين من الموحدين والملحدين ولم يبين حكم الفريق الثالث منها وقد بينه الله في قوله ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء النساء 48 و 116 فمآل المعنى في الآية فأما الذين سعدوا سعادة خالصة ففي الجنة خالدين فيها وأما الذين شقوا شقاوة خالصة ففي النار خالدين فيها وأما الذين اخرجوا من الفريقين فباقون على تحت مشيئة الله تعالى.
وهذا الوجه بعد التقرير لا يخفى حسنه.
ثم ذكر أقوالا راجعة إلى ما سلف ثم قال:
وهذه الأقوال متقاربة قال ويمكن الجمع بينها بأن يقال أخبر الله عن خلودهم في الجنة كل وقت إلا وقتا شاء الله ألا يكونوا فيها وذلك يتناول وقت كونهم في الدنيا وفي البرزخ وفي موقف القيامة على الصراط وكون بعضهم في النار قلت هذه الإطرفة شئ واحد عائد إلى كونه قبل دخولهم الجنة ولكن يبعده ما مر غير مرة قال فإن الاستثناء من خلود الداخلين وحيث كانوا في عين الجنة لا يفيد ذلك الكون بخالدين فيها. ثم قال:
وعلى كل تقدير فهذا الأمر من المتشابه وقوله عطاء غير مجذوذ محكم وقوله أكلها دائم وظلها ولهذا أكد خلود أهل الجنة في غير موضع من كتابه وأخبر أنهم لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى وهذا الاستثناء منقطع وإذا ضممته إلى الاستثناء من قوله إلا ما شاء ربك تبين لك المراد من الآيتين واستثناء الوقت الذي لم يكونوا فيه في الجنة من مدة الخلود كاستثناء الموتة الاولى من جملة الموت فهذه موتة تقدمت على حياتهم الأبدية وكذلك مفارقة الجنة تقدم على خلودهم فيها انتهى كلامه.
وأقول: قد أفاد أن الاستثناء من خلود أهل الجنة من المتشابه وأن المحكم ان آية الخلود فيجب برد المتشابه إلى المحكم فالمحكم هو الخلود وهذا وهذا حسن وتخصصه بالاستثناء في أهل الجنة بقوله عطاء غير مجذوذ ولما علم يقين من أنه لا يخرج من الجنة أحد ممن دخلها وسيأتي لنا أنه يمكن.
¥