تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

عقوبة العصاة رحمة و إخراجهم من النار رحمة فتقلبوا في رحمته في الدنيا و تقلبوا فيها في الآخرة لكن تلك الرحمة يحبونها و توافق طبائعهم و هذه رحمة يكرهونها و تشق عليهم كرحمة الطبيب الذي يضع لحم المريض و يلقي عليه المكاوي ليستخرج منه المواد الرديئة الفاسدة فان قيل هذا اعتبار غير صحيح فان الطبيب يفعل ذلك بالعليل و هو يحبه و هو راض عنه و لم ينشا فعله به عن غضبه بغضبه عليه و لهذا لا يسمى عقوبة و أما عذاب هؤلاء فانه إنما حصل بغضبه سبحانه عليهم و هو عقوبة محضة قيل هذا حق و لكن لا ينافي كونه رحمة بهم و أن كان عقوبة لهم و هذا كإقامة الحدود عليهم في الدنيا فانه عقوبة و رحمة و تخفيف و طهرة فالحدود طهرة لأهلها و عقوبة و هم لما أغضبوا الرب تعالى و قابلوه بما لا يليق أن يقابل به و عاملوه اقبح المعاملة و كذبوه و كذبوا رسله و جعلوا اقل خلقه و اخبثهم و امقتهم له ندا له و إلهة معه و اثروا رضاهم على رضاه و طاعتهم على طاعته و هو ولي الإنعام عليهم و هو خالقهم و رازقهم و مولاهم الحق اشتد مقته لهم و غضبه عليهم و ذلك يوجب كمال أسمائه و صفاته التي يستحيل عيله تقدير خلافها و يستحيل عليه تخلف آثارها و مقتضاها عنها بل ذلك تعطيل لأحكامها كما أن نفيها عنه تعطيل لحقائقها و كلا التعطيلين محال عليه سبحانه و تعالى فالمعطلون نوعان أحدهما عطل صفاته والثاني عطل أحكامها و موجباتها و كان هذا العذاب عقوبة لهم من هذا الوجه و دواء لهم من جهة الرحمة السابقة للغضب فاجتمع فيه الأمران فإذا زال الغضب بزوال المادة الفاسدة بتغيير الطبيعة المقتضية لها في الجحيم بمرور الاحقاب عليها وحصلت الحكمة التي اوجبت العقوبة عملت الرحمة عملها و طلبت أثرها من غير معارض يوضحه الوجه الحادي عشر و هو أن العفو احب إليه سبحانه من الانتقام و الرحمة احب إليه من العقوبة و الرضا احب إليه من الغضب و الفضل احب إليه من العدل و لهذا ظهرت آثار هذه المحبة في شرعه و قدره و يظهر كل الظهور لعباده في ثوابه و عقابه و إذا كان ذلك احب الأمرين إليه و له خلق الخلق و انزل الكتب و شرع الشرائع و قدرته سبحانه صالحة لكل شيء لا قصور فيها بوجه ما وتلك المواد الردية الفاسدة مرض من الأمراض و بيده سبحانه و تعالى الشفاء التام و الأدوية الموافقة لكل داء و له القدرة التامة و الرحمة السابغة و الغنى المطلق بالعبد اعظم حاجة

إلى من يداوي علته التي بلغت به غاية الضرر و المشقة و قد عرف العبد انه عليل و أن دواءه بيد الغني الحميد فتضرع إليه و دخل به عليه و استكان له و انكسر قلبه بين يديه و ذل لعزته و عرف أن الحمد كله له و أن الحق كله له و انه هو الظلوم الجهول وان ربه تبارك و تعالى عامله بكل عدله لا ببعض عدله و أن له غاية الحمد فيما فعل به و أن حمده هو الذي أقامه في هذا المقام و أوصله إليه و انه لا خير عنده من نفسه بوجه من الوجوه بل ذلك محض فضل الله و صدقته عليه و انه لا نجاة له مما هو فيه إلا بمجرد العفو و التجاوز عن حقه فنفسه أولى بكل ذم و عيب و نقص و ربه تعالى أولى بكل حمد و كمال و مدح فلو أن أهل الجحيم شهدوا نعمته سبحانه و رحمته و كماله و حمده الذي أوجب لهم ذلك فطلبوا مرضاته و لو بدوامهم في تلك الحال و قالوا أن كان ما نحن فيه رضاك فرضاك الذي نريد وما اوضان الى هذه الحال الا طلب مالا يرضيك فأما إذا أرضاك هذا منا فرضاك غاية ما نقصده و ما لجرح إذا أرضاك من ألم و أنت ارحم بنا من أنفسنا و اعلم بمصالحنا و لك الحمد كله عاقبت أو عفوت لانقلبت النار عليهم بردا و سلاما و قد روى الإمام احمد في مسنده من حديث الأسود بن سريع أن النبي قال يأتي أربعة يوم القيامة رجل أصم لا يسمع شيئا و رجل أحمق و رجل هرم و رجل مات في فترة فأما الأصم فيقول رب لقد جاء الإسلام و ما اسمع شيئا و أما الأحمق فيقول رب لقد جاء الإسلام والضبيان يحذفوني بالبعر واما الهرم فيقول ربى لقد جاء الاسلام و ما اعقل شيئا و أما الذي مات في الفترة فيقول رب ما أتاني لك من رسول فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه فيرسل إليهم أن ادخلوا النار قال فوالذي نفس محمد بيده لو دخلوها لكانت عليهم بردا و سلاما و في المسند أيضا من حديث قتادة عن الحسن عن أبي رافع عن أبي هريرة مثله و قال فمن دخلها كانت عليه بردا و سلاما و من لم

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير