ـ[مبارك]ــــــــ[19 - 10 - 04, 09:50 ص]ـ
قال مبارك: والإمام ابن حزم ـ رحمه الله تعالى ـ مذهبه مضطرب في باب الصفات فنجده ينفي اطلاق لفظ الصفات لله تعالى فيقول في موسوعته الخالدة " الفصل " (2/ 120ـ 121):
" واما اطلاق لفظ الصفات لله تعالى عز وجل فمحال لا يجوز؛ لأن الله تعالى لم ينص قط في كلامه المنزل على لفظ الصفات ولا على لفظ الصفة، ولا حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم بأن لله تعالى صفة أو صفات. نعم ولا جاء قط ذلك عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم ولا عن أحد من خيار التابعين، ولا عن أحد من خيار تابعي التابعين، ومن كان هكذا فلا يحل لأحد أن ينطق به ولو قلنا أن الإجماع قد تيقن على ترك هذه اللفظة لصدقنا؛ فلا يجوز القول بلفظ الصفات ولا اعتقاده، بل هي بدعة منكرة، قال الله تعالى: (إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم واباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الانفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى) ".
بينما انظر إليه وهو يقول ما يخالف ذلك في كتابه الماتع " مداواة النفوس " (67):
" وقف العلم عند الجهل بصفات الباري عزَّ وجلَّ ".
واصرح من ذلك ماقاله في كتابه " الأصول والفروع " (197 ـ 198) في اثناء رده على الجهمية القائلين بخلق القرآن:
" وكلام الله تعالى صفة قديمة من صفاته، ولا توجد صفاته إلا به ولا تبين منه ... وكلام الله لا ينفد ولا ينقطع أبداً؛ لأن كلامه صفة من صفاته تعالى لا تنفد ولا تنقطع ولا تفارق ذاته والله عز وجل لم يزل متكلماً ليس لكلامه أول ولا آخر كما ليس لذاته لا أول ولا آخر وجميع صفاته مثل ذاته وقدرته وعلمه وكلامه ونفسه ووجهه مما وصف به نفسه في كتابه العزيز كل هذه الصفات غير مباينة منه تعالى ولا متجزئة ولا نافدة ولا منقطعة ".
بعد هذا أقول: مذهب الإمام في هذا الباب مضطرب مما يدل على عدم اطمئنانه في النفي والإثبات في مسألة الصفات؛ ولماذا لا نحسن الظن بهذا الإمام العظيم ونقول أن مذهب الإثبات هو الذي استقر عليه ومات عليه مادام أن هناك مايثبت ذلك ويؤيده. وهب أن الأمر خلاف ذلك فهو إمام مجتهد مأجور أجراً واحداً لنيته الجميلة في إرادة الخير وقد رفع عنه الإثم في خطئه؛ لأنه لم يتعمد الخطأ ولم يقصده ولا استهان في طلبه بل بذل كل مافي وسعه وطاقته، قال الإمام الأثري الشوكاني اليماني في رسالته " شرح الصدور في تحريم رفع القبور " (2):
" فمن كان دليل الكتاب والسنة عليه معه فهو الحق، وهو أولى بالحق، ومن كان دليل الكتاب والسنة عليه لا له كان هو المخطىء ولا ذنب عليه في هذا الخطأ إن كان قد وفى الإجتهاد حقه بل هو معذور بل مأجور كما ثبت في الحديث الصحيح: " إذا اجتهد فأصاب فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر " فناهيك بخطأٍ يؤجر عليه فاعله ولكن هذا إنما هو المجتهد نفسه إذا أخطأ لا يجوز لغيره أن يتبعه في خطئه، ولا يعذر كعذره، ولا يؤجر كأجره، بل واجب على من عداه من المكلفين أن يترك الأقتداء به في الخطأ ويرجع إلى الحق الذي دل عليه الكتاب والسنة ... ".
وهذا الخطأ مغفور حتى في المسائل العلمية، قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في " مجموع الفتاوى " (3/ 345):
" ... وهكذا الأقوال التي يكفر قائلها، قد يكون الرجل لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحق، وقد تكون بلغته ولم تثبت عنده أو لم يتمكن من فهمها، وقد يكون عرضت له شبهات يعذره الله تعالى بها، فمن كان من المؤمنين مجتهداً في طلب الحق وأخطأ، فإن الله سبحانه وتعالى يغفر له خطأه كائناً ما كان، سواء كان في المسائل النظرية أو العلمية، هذا الذي عليه أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وجماهير أئمة المسلمين ... ".
وقال أيضاً ابن تيمية (20/ 165ـ 166):
" ولا ريب أن الخطأ في دقيق العلم مغفورٌ للأمة، وإن كان ذلك في المسائل العلمية، ولولا ذلك لهلك أكثرُ فضلاء الأمة!
وإذا كان الله يغفرُ لمن جهِلَ تحريم الخمر لكونه نشأ بأرضِ جهلٍ مع كونه لم يطلب العلم، فالفاضلُ المجتهدُ في طلب العلم بحسب ما أدركه في زمانه ومكانه، إذا كان مقصوده متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم بحسب إمكانه هو أحق بأن يتقبل الله حسناته، ويثيبُ على اجتهاداته، ولا يؤخذه بما أخطأ، تحقيقاً لقوله: (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) ".
ـ[مبارك]ــــــــ[19 - 10 - 04, 05:39 م]ـ
قال ابن عبدالهادي في كتابه " طبقات علماء الحديث ":
" ولكن تبين لي منه أنه جهمي جلد، لا يثبت معاني أسماء الله الحسنى إلا القليل، كالخالق والحق، وسائر الأسماء عنده لا يدل على معنى أصلاً، كالرحيم والعليم والقدير ونحوها، بل العلم عنده هو القدرة، والقدرة هي العلم، وهما عين الذات، ولا يدل العلم على شيء زائد على الذات المجرد أصلاً. وهذا عين السفسطة والمكابرة ".
قال أبو عبدالرحمن: وهذا الخطأ من الإمام أبي محمد بن حزم ـ رحمه الله ـ ليس ذلك لأنه ظاهري، بل سببه أنه أخطأ في تطبيق أصول أهل الظاهر.
وخطئه يعني: إن العليم والعزيز والحكيم والغفور والودود والوهاب والجبار ... إلى أخر اسمائه وصفاته إنما هي اسماء أعلام مترادفة كلها بمعنى الله، ولا يدل أحد منها على معنى مستقل بذاته.
ولا شك ولا ريب إن هذه جهمية وتعطيل، الغى فيها وغفل فيها عن أصول أهل الظاهر؛ لأننا نؤمن بأن هذه الأسماء والصفات تدل على الرب سبحانه وتعالى، وتدلُ على الله دلالة مرادفة، وتدلُ ـ أيضاً ـ بمعانيها، فإنما من كان خائفاً من عدو يقول: ياجبار يامغيث، ولا يقول: ياكريم مثلاً، أو ياوهاب.
فإن كان فقيراً معدماً قال: ياجواد، ياوهاب ... لماذا؟ لإن لكل اسم من أسماء الله وصفاته معناه اللغوي ومدلوله.