[كتب التفسير ... د. مساعد الطيار]
ـ[الرايه]ــــــــ[16 - 09 - 04, 01:22 ص]ـ
د. مساعد بن سليمان الطيار
الأستاذ المساعد بكلية المعلمين بالرياض
21/جمادى الأولى/1425 هـ
كتبُ التَّفسيرِ كثيرةٌ جِدًّا، ولا يمكنُ الحديثُ عنها هنا، ولو بإيجازٍ، لذا سأذكرُ إشاراتٍ عابرةً في هذه الكتبِ.
- أنَّ السَّلفَ من التابعينَ وتابعيهم قد دونوا التَّفسيرَ، وأنَّ أغلبَ هذه المدوَّناتِ مبثوثٌ في الكتبِ التي تُعنى بالمأثورِ عنهم؛ كتفسير عَبْدِ بنِ حُمَيد (ت:249)، وتفسيرِ الطَّبريِّ (ت:310)، وتفسيرِ ابن أبي حاتم (ت:327)، وغيرِها.
وغالبُ تفاسيرِهم كانت صُحُفًا تُروى بالأسانيدِ؛ كتفسيرِ عطيَّةَ بنِ سعدِ العوفيِّ (ت:111)، وتفسيرِ إسماعيلَ بنِ عبدِ الرَّحمنِ السُّدِّيِّ (ت:128)، وتفسيرِ عليِّ بنِ أبي طلحةَ الوالبِيِّ (ت:143)، وغيرها.
وقد كان تفسيرُهم يشملُ تفسيرَ مفرداتِ القرآنِ، وناسخَه ومنسوخَه، وقصصَ آيهِ من إسرائيلياتٍ وغيرِها، وسببَ نزولِه، ومبْهماتِه، والمعنى الجمليَّ، وذكرَ التفسيرِ النَّبويِّ، والتفسيرَ بالقرآنِ، والتفسيرَ بالسُّنَّةِ، وبيانَ أحكامِه …
وإذا درستَ تفاسيرَهم بعنايةٍ، ونظرتَ في تفاسيرِ المتأخرينَ، سيظهرُ لكَ جليَّا أنَّ المتأخِّرينَ عالةٌ عليهم في بيانِ معاني القرآنِ والمرادِ بها، وأنَّ المتأخرينَ لم يزيدوا كثيرًا على أقوالِهم من جهةِ البيانِ عن معنى الآي، وإنما كانتِ الزيادةُ في غيرِ هذا الجانبِ.
وأحسِبُ أنَّ كتبَ التَّفسيرِ الكبيرةَ، كالجامعِ لأحكامِ القرآنِ لأبي عبدِ اللهِ محمدِ بن أحمدَ القرطبيُّ (ت:671)، أو البحرِ المحيطِ لأبي حيان محمدِ بنِ يوسفَ الأندلسيِّ (ت:754)، أو غيرها، لو اعتمدتْ صُلْبَ التَّفسيرِ، وتركتِ الاستطرادَ في مسائلِ العلومِ، لرجعتْ إلى تفسيرِ السَّلفِ وقاربتْهُ.
- ولما تنوَّعتِ المعارفُ والعلومُ، وتشكَّلتْ مسائلُ كلِّ علمٍ؛ كالفقهِ، وأصولِ الفقه، والنَّحوِ، واللُّغةِ، والتَّاريخِ، وغيرها، وشاركَ في التَّأليفِ في التَّفسيرِ من تميَّزَ بعلمٍ من هذه العلومِ، فإنَّه صبغَ تفسيرَه بتخصُّصِه الذي برزَ فيه، يساعدُه في ذلك إمكانيَّةُ التوسُّعِ في كتابةِ التَّفسيرِ، هذا ما لا ضابطَ له، وهذا ما جعلَ كتبَ التَّفسيرِ تفترقُ في المناهجِ.
- ولهذا، ستجدُ أنَّ كثيرًا مما سيأتي من المصنَّفاتِ المُدوَّنةِ على انفرادٍ، يكونُ موجودًا في بطونِ كتبِ التَّفسيرِ من حيثُ الجملةِ، لذا تجدُ أنَّ مما يتميَّزُ به منهجُ أبي حيان (ت:754) في كتابِه البحرِ المحيطِ عنايتَه بعلمِ المناسباتِ (1).
وهذا يعني أنَّ كُتبَ التَّفسيرِ تحوي كثيرًا من مسائلِ العلومِ التي لها علاقةٌ بعلمِ التَّفسيرِ أو هي من علومِ القرآنِ، وهذه الكتبُ مجالٌ خصبٌ لتطبيقاتِ هذه المسائلِ العلميَّةِ (2)، بل قد تجدُ فيها إشاراتٍ إلى مسائلَ متعلِّقةٍ بعلمٍ من علومِ القرآنِ، وهي غيرُ موجودةٍ في كتبِه، ومن ذلك:
في تفسيرِ قول الله تعالى:?وَإذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أوْ يَقْتُلُوكَ أوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيرُ الماكِرِينَ? [الأنفال:30]، قال ابن عطيَّةَ (ت: 542): (وحكى الطَّبريُّ عن عكرمةَ ومجاهد أنَّ هذه الآيةَ مكيَّةٌ (3) … ويحتملُ عندي قول عكرمةَ ومجاهدٍ: (هذه مكيَّةٌ)، أن أشارا إلى القصَّةِ لا إلى الآيةِ) (4).
هل تجدُ مثلَ هذا التَّحريرِ في كتبِ علومِ القرآنِ؟
لو صحَّتْ هذه الفرضيَّةُ التي ذكرَها ابن عطيَّةَ (ت: 542)، لحلَّتْ كثيرًا مما يُشكلُ من عباراتِ السَّلفِ في علمِ المكيِّ والمدنيِّ، وبهذا التَّخريجِ لا يخالفُ قولُ مجاهد (ت: 104) وعكرمة (ت: 105) من قال إنها مدنيَّةٌ؛ لأنَّ هذا يحكي وقتَ النُّزولِ، وهما يحكيانِ وقت وقوعِ الحدثِ الذي نزلتِ الآيةُ بشأنِه، واللهُ أعلمُ.
وفي تفسيرِ قوله تعالى:?وَإنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ فَأمْكَنَ مِنْهُمْ واللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ? [الأنفال:71]، قال ابن عطيَّة الأندليسيُّ (ت:542): (وأمَّا تفسيرُ الآيةِ بقصَّةِ عبد اللهِ بن أبي سَرْحٍ (5)، فينبغي أنْ تُحرَّرْ.
¥