تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فبينا أنا أشرب من ماء موائد هذه الأسفار، وأتحلّى بمصاغ جواهر تلك المجلدات الكبار، عثرت في غمارها على بغيتي، ووقفتُ في قاموسها على رغبتي، فقد وافيتُ منها مُنْيتي، وظفرتُ فيها بليْلَتي؟!

واكْتحلتْ عيني – لأول مرة وبعد طول عناء - برؤية تلك المقطوعة الأدبية موثَّقةً إلى قائلها الحقيقي الذي رسمها في قلبه، ثم خطًَّها بقلمه، ففرحتُ بذلك أيَّما فرح! حتى كدتُ أطير من شدة المرح!

وهذا الكتاب الذي عثرت فيه على ضالتي: هو ذلك الكتاب الفذ العظيم: «بلوغ الأماني في الرد على النبهاني».

وراقمه: هو علامة العراق، وشيخ الآفاق في تلك الأوقات، الأديب الأريب، والسلفي الأثري: أبو المعالي محمود شكري الآلوسي الحسيني. روَّح الله بالريحان روحه، وأضاء قبره وضريحه.

وهاك نصَّ كلامه وهو يردُّ على النبهاني [1/ 14 - 15]: «وجمع كتاباً سماه «شواهد الحق في الاستغاثة بسيد الخلق»! وحشاه من الكذب والافتراء والظلم والعدوان، وشتم أهل الحق ونصرة التوحيد، والحكايات الكاذبة، وكان الحَرِيّ به أن يُسمي كتابه هذا: «شُبَه الباطل والضلال» ولما تصفحته وجدته كتاباً لا يروج ما فيه حتى على ضعفاء العقول، فضلاً عمن تضلع من فنون المنقول والمعقول، لما اشتمل عليه من واهي الأسانيد وأكاذيب النقول، مباحثه متناقضة، ومطالبه متعارضة، جهل بها مؤلفه، وغفل عنها مصنفه، وبقيت أُقَدّمُ رجلاً وأؤخّر أخرى في الإقدام على إبطاله، وتزييف أقواله، حيث تكلم بالجزاف، وأبان عن قلة معرفة وعدم إنصاف، وكان الرأي عندي أن يعرض عن جهله المستأصل لشافته، ولا يتعرض لغثاثته وسخافته، ولا يلتفت إلى تخليطه وخرافته، غير أن بعض الإخوان لما علم مقصدي ووقف على ما تقرر عندي التمس مني ذلك، وطلب إبطال ما هنالك، وذكر لي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال أبو سفيان يوم أحد: أفيكم محمد؟ أفيكم أبو بكر، أفيكم ابن الخطاب؟ قال لأصحابه: "لا تجيبوه". تهاوناً به وتحقيراً لشأنه، فلما قال أُعل هبل، قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قولوا: الله أعلى وأجل". ولما قال: لنا العزى ولا عزى لكم، قال لهم: «قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم». [فحينئذ جرّدتْ أسنّة العزائم والرد، واستعنتُ على رد أباطيله بالواحد الفرد، وليت مصنف ذلك الهذيان تنكب عن ميدان الفرسان، ليسلم من أسنة ألسنتهم عرضه، وينطوي من بساط المشاجرة طوله وعرضه، ولم يسمع ما يضيق به صدره، ولم ينتهك بين أفاضل الأمة ستره، وإذا أبى إلا المهارشة والمناقشة، والمواحشة والمفاحشة، فليصبر على حزّ الحلاقم، ونكز الأراقم، ونهش الضراغم، والبلاء المتراكم المتلاطم، ومتون الصوارم. فوالذي نفسي بيده؛ ما بارز أهل الحق قط قرن إلا كسروا قرنه، فقرع من ندم سنه، ولا ناحرهم خصم إلا بشّروه بسوء منقلبه، وسدّوا عليه طريق مذهبه لمهربه، ولا فاصحهم أحد - ولو كان مثل خطباء إياد - إلا فصحوه وفضحوه، ولا كافحهم مقاتل -ولو كان من بقية قوم عاد- إلا كبُّوه على وجهه وبطحوه، هذا فعلهم مع الكماة الذين وردوا المنايا تبرعاً، وشربوا كؤوسها تطوعاً، وسعوا إلى الموت الزؤام سعياً، وحسبوا طعم الحمام أرياً، والكفاة الذين استحقروا الأقران فلم يهلهم أمر مخوف، وجالوا في ميادين المناضلة واخترقوا الصفوف، وتجالدوا لدى المجادلة بقواطع السيوف»].

قلتُ: وما بين المعقوفتين قد قاله الشيخ الحويني – شفاه الله – بنصه وفصه في تقريظه لكتاب: «صلاح الأمة في علو الهمة/» [1/أأ- أ ب] للعفاني.

وما قبل المعقوفتين: فقد تصرَّف الشيخ فيه قليلا مع تقديم وتأخير!

ودونك لفظ الشيخ الحويني هناك وهو بصدد الرد على بعض أهل البدع: «وقد أعطاني الكتاب – يعني كتاب ذلك المبتدع – بعض أفاضل إخواني، وطلب مني أنْ أرد، والتمس مني ذلك، وطلب إبطال ما هنالك، فلما انفصلت بتُّ ليلتي متفكرًا، فقرع في خاطري ما قاله أبو سفيان يوم أحد: أفيكم محمد؟ أفيكم أبو بكر، أفيكم ابن الخطاب؟ قال لأصحابه: "لا تجيبوه". تهاوناً به وتحقيراً لشأنه، فلما قال أُعل هبل، قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قولوا: الله أعلى وأجل» ولما قال: لنا العزى ولا عزى لكم، قال لهم: «قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم». فحينئذ جرّدتْ أسنّة العزائم والرد، واستعنتُ على رد أباطيله بالواحد الفرد، وليت مصنف ذلك الهذيان تنكب عن

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير