ثم نشأ مكتب الشيخان: بيع، شراء، استبدال، تحقيق كتب، في الحديث، والتفسير، واللغة، والتاريخ، والجغرافيا، والفقه على كل المذاهب السبعين، ورسائل دكتوراه، ماجستير، ثانوية عامة، وسميط، وبيض، وجبنة.
وأي كتاب لا يستغرق إخراجه أكثر من أسبوعين، وموقع على النت.
وهناك ظاهرة لابد منها من أجل الدعاية والإعلان، وهي، التقريظ.
فأصبح عندنا نحن العرب الآن: محدث الديار المصرية، والحافظ الثقة الجهبذ فلان الأردني، وخاتمة المحدثين علان السعودي، ومجدد القرن أبو فلانة القطري، وبقية السلف عدنان العراقي.
فكل من قرأ (ونسي) خمس ورقات في مقدمة ابن الصلاح، أو مقدمة ابن خلدون، المهم أي مقدمة، فإن الشباب اليتيم الذي خرج اليوم يعتقد في صاحبنا أنه من طبقة علي ابن المديني، وأحمد بن حنبل، وكيف لا، وهو يعرف الحديث المرسل.
وعلى هذا استعانت هذه المكاتب بهؤلاء، فتجد:
قدم له شيخنا، وابن شيخنا، محدث، بفتح الحاء وليس بتسكينها، وهي ترفض أن تُفتح، محدث الوجه البحري، أو المنطقة الشرقية، أو غرب الأردن، الشيخ الحافظ الحجة علاء الدين الدرديري.
وتبحث عن علاء الدين، وعصام الدين، وسيف الدين، وحسام الدين، فتحسبهم أيقاظا وهم رقود.
وصار الذي لايحفظ، بل لا يعرف، اسم صحيح البخاري، محدثًا لما أمام النهر.
وهناك شباب صغير الآن رأيته ومعه دفاتره يسافرون في أنحاء مصر، لماذا؟ يجمعون تراجم المحدثين!!
ووالله جاءني ناس من هؤلاء، وطلبوا هذه المصيبة، فوجدت دموعي تنهمر، وأبعدت وجهي عن وجهي حتى لا أراني، هل وصل الأمر إلى هذا الدرك، لقد أخذتني نفسي إلى هناك، إلى تراجم عبد الله بن المبارك، ومحمد بن إسماعيل البخاري، وأبي حاتم الرازي، وأبي الحسن الدارقطني، أولئك هم الناس، رضي الله عنهم.
المصيبة أكبر من مكاتب المقاولات، وأكبر من الذي أقوله.
المصيبة أن الحياء قد مات، أو كاد.
وليس في مصر وحدها، استمع إلى الألقاب التي ستداولها الناس.
يوجد على هذا الملتقى، تعريف لفلان، بأنه محدث الديار العراقية.
صدقني، كان صديقي أكثر من تسع سنوات.
هل تصدقني أنه لا يحفظ حديثًا واحدًا.
هل تصدقني إذا قلت لك: لو قرأنا عليه في البخاري، وقلنا: قال البخاري: حدثنا الوليد بن مسلم، عن محمد بن بشار، عن علي بن زيد بن جدعان، حدثنا السُّدِّي، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلن يتبين لشيخنا الخيطُ الأبيض من الخيط الأسود.
على أي حال؛ معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون.