[روايات في كتاب الثقات لابن حبان فيها إشكال و إعضال]
ـ[العاصمي]ــــــــ[28 - 12 - 04, 04:53 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، و الصلاة و السلام على رسول الله، و على آله و صحبه و من والاه.
السلام عليكم، و رحمة الله و بركاته.
أمّا بعد.
1 ـ فقد مرَّ بي حديث في» العلل الكبير «(590 ـ ترتيبه لأبي طالب)، ذكر الأستاذ حمزة بن ديب في تعليقه عليه أن ابن حبّان أخرجه في ترجمة كريب من» الثقات «5/ 339.
فلمّا رجعتُ إلى ذاك الموضع المُحَال عليه، وجدتُ ما نصُّه:» ثنا إسحاق بن سليمان، قال: ثنا الجراح بن الضَّحَّاك ... «. فَسَاقَ الحديث بنحو ما في ترتيب العلل ...
و هذا المزبور المسطور في كتاب» الثقات «، لا يخرج عن أحد أمور ثلاثة:
1. إمّا أنه مُقْحَم مُدْرَج في الكتاب، كان قد علّقه بعضهم على حاشية الكتاب، نقلا عن بعض المصنّفات، ثمّ زحزحه بعض النُّسَّاخ و دَحْرَجَه، حتّى أدْرَجه و أولجه في أصل الكتاب!
2. أن يكون الحديث ثابتاً في أصل كتاب» الثقات «، لكن بغير بصيغة التحديث:» ثنا إسحاق ... «؛ فإنّ إسحاق هذا توفي سنة (199)، قبل ولادة مصنِّف» الثقات «ببضع و سبعين سنة!!
3. و هناك احتمال ثالث ضعيف، و هو سقوط واسطتين بين مصنِّف» الثقات «، و بين إسحاق بن سليمان ...
لكن الإشكال الوارد، أنّ هذه المعضلة السَّنَدية، قد تكرّرت في مواضع أخرى من كتاب» الثقات «، رأيت من تمام الفائدة: تتبّعها، و استقراءها، و كشْف أَمْرِها؛ فدُونَكها:
2 ـ في ج4 ص8:» ثنا الفريابي، قال: ثنا جرير، عن الأعمش ... «.
قال حسين آل زهران في فهارس الثقات 10/ 49:
» اسمُ شيخ ابن حبّان هذا، يحتمل أن يكون الفرياني (1) (!) و هو: داود بن محراق (2)، انظر: تهذيب الكمال للمزي 1/ 189 «.
كذا قال، و لو تدبّر، و تفكّر، و أنعم النظر في» تهذيب الكمال «؛ لرأى فيه 2/ 427:» ذكره ابن حبّان (3) ... و قال: مات بعد الأربعين و مئتين، و قال غيرُه: مات سنة تسع و ثلاثين و مئتين «.
و ابن حبّان إنما وُلد بعد وفاة داود بن مخراق ببضع و ثلاثين سنة، و حَمَل حديثه بوسطة إسحاق البُسْتِيّ.
3 ـ في ج7 ص577:» حدثنا الهيثم بن خارجة، ثنا الهيثم بن عمران ... «.
و لا ريب أنّ ابن حبّان لم يُدرك الهيثم بن خارجة. المتوفّى سنة (227)!
و كان يتعيّن على مصححّي الكتاب: إثبات ما وقع في بعض النسخ من إثبات» الصوفي «، أو» الصيرفي «بين ابن حبّان، و الهيثم ...
أمّا (الصوفي)؛ فهو: أحمد بن الحسن بن عبد الجبّار، و هو من شيوخ ابن حبّان (4) ...
و قد ذكره المزي 7/ 441 من الرواة عن الهيثم بن خارجة.
و أمّا (الصيرفيّ)؛ فهو: محمد بن علي البصري، و قد روى عنه ابن حبّان في مواضع من» الثقات «4/ 190، 5/ 321، 7/ 320، 8/ 503.
و الأشبه بالصواب: أن ابن حبّان رواه عن الصوفي، عن الهيثم؛ فإنه المعروف بالرواية عنه، دون الصيرفي، و الله أعلم.
لكن مصحّحي» الثقات «في غفلة عن هذا الأمر المعضل؛ لعدم معرفتهم بطبقات الناس؛ فوقعوا ـ لذلك ـ في لَبْس و إلباس.
و هذا يُحتِّم قيام المشهود لهم بوفرة العلم، و دقّة التحقيق، بإعادة نشر كتاب» الثقات «نشرة علميّة متقنة، تليق بمنزلته و مكانته.
4 ـ في 9/ 35:» حدثنا قتيبة بن سعيد، ثنا محمد بن سليمان ... «.
كذا وقع، مع أن قتيبة مات سنة (240) قبل أن يُولد ابن حبّان ببضع و ثلاثين سنة، و إنما روى عن أبي العباس السراج و غيرِه، عن قتيبة.
و هذه الأغلاط المتتابعة، غرَّت حُسَيْناً آل زهران؛ فذكر في فهرس شيوخ ابن حبّان 10/ 210، 212، 214، 215: إسحاق بن سليمان، و قتيبة بن سعيد، و الهيثم بن خارجة، و الفريابي!!
و رأيتُه ذكر 10/ 211 أبا يعلى (؟!) عبد الغفار بن عبد الله، من شيوخ ابن حبّان!
و هذا تلفيق، و جَمْع بين مفترق، و الصواب أن ابن حبّان يروي عن أبي يعلى، عن عبد الغفار بن عبد الله، لكن سقطت 3/ 58 أداة التحديث بين التلميذ و شيخه؛ فتُوُهّم أنه رجل واحد، و قد قال ابن حبّان في ترجمة عبد الغفار 8/ 421:» ... حدّثنا عنه ... المواصلة، مات سنة أربعين و مئتين، أو قبلها، أو بعدها بقليل «.
و بعد فهذه أربعة نصوص، وقع فيها إشكال، بل إعضال، لا يحلّه إلاّ حلاّل، حَظِي بتوفيق ذي الجلال و الكمال؛ فلا يَبْخَلَنْ على إخوانه بما يُزيح عنهم هذا الاستشكال.
و صلى الله و سلّم و بارك على نبيّنا محمد، و على آله و صحبه أجمعين.
و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
(1) كذا، و صوابه: الفريابي.
(2) كذا، و الصواب أنه ابن مخراق، بالخاء المعجمة.
(3) قال في» الثقات «8/ 236:» حدّثنا عنه إسحاق بن إبراهيم القاضي، مات بعد الأربعيين و مئتين «.
(4) راجع ـ مثلا ـ الثقات 1/ 14، 4/ 28، 40، 75، 260، 276، 8/ 304، 9/ 271. و ما في 4/ 28، 40، 75، 9/ 271 من روايته عن الصوفي، عن الهيثم.
ـ[العاصمي]ــــــــ[16 - 08 - 05, 03:18 م]ـ
من ينبري لإفادة إخوانه بما في النسخ الخطية من الثقات؟
¥