وكل هذه الطرق ضعيفة جداً، فما أورده الطبراني من طريق جويبر وهو متروك كما في التقريب لابن حجر، وما أورده ابن الأنباري من طريق محمد بن زياد اليشكري وهو كذاب يضع الحديث [52]، وما أورده السيوطي من طريق عيسى بن دأب: وهو منكر الحديث ويضع الحديث [53]، فكلها طرق تالفة لا تصلح للاستشهاد والاستدلال.
ومن عجب أن أ. سزكين يوافق المستشرقين في أخطائهم فيما ينقله عنهم ويخالفهم في بعض صوابهم وهو قليل ومثاله هذه التساؤلات التي لم تثبت حيث ذهب إلى ذلك (جولد تسيهر) اليهودي فقال معقباً عليه: وهناك أسباب أخرى تجعلنا لا نتفق مِع (جولد تسيهر) في اعتباره هذا الخبر مجرد أسطورة فابن عباس شرح المائتين كلمة – تقريبا - التي قدمها له نافع بن الأزرق أحد زعماء الخوارج بشواهد من الشعر الجاهلي [54].
15 - وفي الصفحة نفسها وافق المستشرقين (جولد تسيهر) اليهودي و (لوت) في بعض الافتراءات على ابن عباس رضي اللّه عنهما، فقال بعد الفقرة السابقة:
"إن المقتبسات الباقية التي ترجع إلى عبد الله بن العباس تذكر أحياناً أسماء عدد من الرواة. وفي هذه المقتبسات يتضح أن ابن عباس ذكر روايات عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن كبار الصحابة، وأنه اعتمد- من ناحية أخرى- في شرح دلالات الكلمات على أحد المخضرمين وهو أبو الجلد جيلان بن فروة. وكان أبو الجلد مخضرماً يزهو بأنه قرأ كتباً قديمة. وقد ورد (في هذه النصوصِ) أيضاً اسمان ليهوديين أسلما، هما كعب الأحبار وعبد الله بن سلام، وكان كعب حبراَ يمنيأ. وقد وصفها لوت بأنها ((مدرسة ذات لون يهودي)) تنتسب إلى ابن عباس. اهـ.
وفي هذا النقل وجهان من الافتراءات:
الوجه الأول: أن ابن عباس روى عن أبي الجلد ثم استدل بخمس روايات من تفسير الطبري وذكر مواطنها وأسوقها بالترتيب كما وردت قال الطبري:
حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري، قال: حدثنا بشر بن إسماعيل، عن أبي كثير، قال: كنت عند أبي الجلد، إذ جاءه رسول ابن عباس بكتاب إليه، فكتب إليه: "كتبت تسألني عن الرعد، فالرعد الريح" [55].
حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي، قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري، قال: حدثنا بشر بن إسماعيل، عن أبي كثير، قال: كنت عند أبي الجلد، إذ جاءه رسول ابن عباس بكتاب إليه، فكتب إليه: "كتبت إلىّ تسألني عن البرق، فالبرق الماء" [56].
حدثنا إبراهيم بن عبد الله، قال: حدثنا عمران بن ميسرة، قال: حدثنا ابن إدريس، عن الحسن بن الفرات، عن أبيه، قال: كتب ابن عباس إلى أبي الجلد يسأله عن البرق، فقال: "البرق ماء".
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن عطاء، عن رجل، من أهل البصرة من قرائهم، قال: كتب ابن عباس إلى أبي الجلد- رجل من أهل هجر- يسأله عن البرق، فكتب إليه: "كتبت إلىّ تسألني عن البرق، وإنه من الماء" [57].
وحدثني المثنى بن إبراهيم، قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم، قال: حدثنا القاسم، قال: حدثني رجل من بني تميم، أن ابن عباس كتب إلى أبي الجلد يسأله عن الشجرة التي أكل منها آدم، والشجرة التي تاب عندها: فكتب إليه أبو الجلد: "سألتني عن الشجرة التي نهي عنها آدم، وهي السنبلة، وسألتني عن الشجرة التي تاب عندها آدم وهي الزيتونة" (4).
وهذه الروايات كلها ضعيفة ففي الرواية الأولى والثانية بشر بن إسماعيل، نقل ابن أبي حاتم عن أبيه أنه مجهول [58] وكذا نقل الذهبي في ((ديوان الضعفاء والمتروكين)) والحافظ ابن حجر في ((لسان الميزان)) في ترجمته.
وأما الرواية الثالثة ففي الإسناد فرات بن أبي عبد الرحمن القزاز ثقة لكن روايته عن ابن عباس منقطعة. فالإسناد ضعيف.
وأما الرواية الرابعة والخامسة ففي كل واحدة منها شيخ مبهم لم يصرح باسمه، وكذلك في الرواية الأولى والثانية أبو كثير ما عرفت من هو، وقد قال فيه الشيخ أحمد شاكر: وهو إسناد مشكل ما وجدت ترجمة بشر بن إسماعيل وما عرفت من هو، ثم لم أعرف من هو أبو كثير الراوي عن أبي الجلد. اهـ.
¥