هذا بالنسبة للإِسناد أما بالنسبة للمتن فقد ورد عن ابن عباس رضي اللّه عنهما أن تفسير ((الرعد)): الريح. وما ثبت عنه مرفوعاً أنه ملك من ملائكة اللّه موكل بالسحاب كما أخرج الإِمام أحمد [59] والترمذي [60] والنسائي [61] وابن أبي حاتم [62] من طريق بكير بن شهاب عن سعيد بن جبيرعن ابن عباس قال: أقبلت يهود إلى رسول اللّه الله عليه وسلم الله عليه وسلم فقالوا: "يا أبا القاسم أخبرنا ما هذا الرعد؟ قال: "ملك من ملائكة اللّه موكل بالسحاب بيده أو في يده مخاريق من نار يزجر به السحاب ويسوقه حيث أمره اللّه" قالوا: فما هذا الصوت الذي يسمع؟ قال: "صوته" قالوا: صدقت.
واللفظ لابن أبي حاتم وقد ساقه مقتصراً على موضع تفسير الرعد والحديث طويل، وقال الترمذي: حسن غريب وفي نسخة تحفة الأحوذي: حسن صحيح غريب [63]، وذكره الهيثمي ونسبه إلى أحمد والطبراني وقال: ورجالهما ثقات [64]، وصححه أحمد شاكر في تعليقه على مسند أحمد [65]، والألباني في صحيح سنن الترمذي [66].
فكيف يتفق هذا الثابت مع ذلك الذي لم يثبت؟ وهل عند ابن عباس مذهب قديم وجديد كالشافعي؟ لا. وإنما المسألة فيها الثابت وغير الثابت، فقد استشهد أ. سزكين بغير الثابت وهذا لا يصلح للاستدلال، هذا وقد وردت عدة روايات عن ابن عباس رضي اللّه عنه ظاهرها التناقض ولكن بعد النقد نجد التوجيه بالترجيح، وبالتمثيل يزداد التوضيح، فقد ورد في تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَأْلمَسَاكِينُ} [سورة النساء آية 8]. عن ابن عباس قولان: الأول ما أخرجه البخاري بسنده الصحيح عن ابن عباس قال: "هي محكمة وليس بمنسوخة" [67].
الثاني: ما أخرجه ابن أبي حاتم في ((تفسيره)) [68] وابن الجوزي في ((نواسخ القرآن)) [69] بسنديهما عن عطاء الخراساني عن ابن عباس أنها منسوخة. وأخرجه النحاس في ((الناسخ والمنسوخ)) من طريق حميد الأعرج عن مجاهد عن ابن عباس [70].
فهل نقول أن القولين متناقضان؟ كلا لأن الرأي الأول ورد بسند صحيح، أما الرأي الثاني فهو ضعيف فيه عطاء الخراساني: صدوق يهم كثيراً ويرسل ويدلس ولم يلق ابن عباس، وكذلك سند النحاس فيه حميد الأعرج وهو ضعيف وأخرجه ابن مردويه أيضاً بسند ضعيف [71].
الوجه الثاني: نقله عن (جولد تسيهر) اليهودي في قوله: وقد ورد (في هذه النصوص) أيضاً اسمان ليهوديين أسلما هما كعب الأحبار وعبد اللّه بن سلام [72].
لم يبين لنا هذه النصوص ولعله أراد هذه النصوص التي أشار إليها وذكرتها آنفا عن الطبري، فإن لم يقصد هذه النصوص فياليته بين لنا هذه النصوص حتى أفندها وأبين زيفها أو أوجد المراد منها.
16 - ثم نقل عن المستشرق لوت بأنهما- أي كعب الأحبار وعبد اللّه بن سلام- (مدرسة ذات لون يهودي) تنتسب إلى ابن عباس.
أقول لهما ومن اتبعهما: لقد أسستم كلامكم على شفا جرف هار، أين المدرسة ذات اللون اليهودي؟ وأين نصوصها ورواياتها؟ وإذا كان ابن عباس رضي الله عنهم قد روى عن كعب وعبد الله بن سلام كما تزعمون فهل يقال أنها مدرسة تنسب إلى ابن عباس وهو الذي يأخذ منهم! وعلى احتمال أنهم وقفوا على بعض النصوص عن هذين الراويين فإنه لا يقال أنها مدرسة يهودية فهؤلاء دخلوا الإِسلام وإذا ورد عنهم أخبار أهل الكتاب فقد فصلت الكلام سابقاً عن ذلك في الرد عن مثل هذه الشبهة.
وما نقله أ. سزكين عن أولئك المستشرقين من اليهود والنصارى، يشوه التفسير بالمأثور المنقول عن أولئك الرجال الذين طُعن فيهم، وفي تشويه التفسير بالمأثور ورجاله تشويه لعلم التفسير، وهو أساس التفسير، ولا تفسير بدونه وبواسطته يقع ويكتمل علم التفسير وذلك بمعرفة أحكام القرآن، وبيان المشكل، والوقف والابتداء، وأسباب النزول، والمكي والمدني، والخاص والعام، والمجمل والمبين، والمطلق والمقيد، والقراءات، والغريب، وفضائل الآيات والسور وكل هذه المعارف تنبثق من علم التفسير بالمأثور ولا يقوم علم التفسير إلا بها.
القسم الثاني: القراءات
¥