تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[تقييد الفوائد]

ـ[سامي عبد العزيز]ــــــــ[14 - 02 - 06, 02:05 م]ـ

إذا انخرط الطالب في سلك القراء وانضم إلى ناديهم، فلا بد له من استثمار قراءته وتوظيفها، ليجني منها ما تمنى، ولا يضيع تعبه سدى، ولا طريقة أنفع ولا أنجع لتحقيق ذلك من الكتابة والتقييد. فيقيد الفائدة المستجادة، والنقل العزيز، والتحرير المدلل، والترتيب المبتكر، وطرائف النقول والحكم، ودقائق الاستنباطات، ولطائف الإشارات، والأشباه والنظائر، وغيرها.

فكل نوع من هذه الفوائد له في عقل الطالب الجاد وقلبه مكانه الخاص به اللائق بمثله، فمعرفة اقتناص الفوائد شيء، وسرعة اقتناصها والاحتفاظ بها شيء ثان، ثم معرفة توظيفها ووضعها في مكانها اللائق بها شيء ثالث، فإذا اجتمعت هذه الثلاثة استكمل الطالب فوائد القراءة وجنى ثمرتها.

قال الإمام النووي (1) ــ وهو يرشد الطالب إلى تعليق النفائس والغرائب مما يراه في المطالعة أو يسمعه من شيخه ــ:» ولا يحتقرن فائدة يراها أو يسمعها في أي فن كانت، بل يُبادر إلى كتابتها، ثم يواظب على مطالعة ما كتبه. . . «اهـ.

وقال (2) ـ أيضاً ـ:» ولا يؤخر تحصيل فائدة ــ وإن قلَّت ــ إذا تمكن منها، وإن أمن حصولها بعد ساعة؛ لأن للتأخير آفات، ولأنه في الزمن الثاني يحصل غيرها «اهـ.

فهذه نصيحة غالية، ولفتة من إمام، فتمسك بها تفلح.

فكم من عالم أبدى أسفه وحسرته على فوائد فاته تقييدها فشردت، أو اتكل على حافظته فخانته (والحفظ خوَّان)، فهذا الإمام ابن حجر (حافظ عصره) فاته تقييد شيء من الفوائد فتأسف عليه، قال تلميذه السخاوي في الجوهر والدرر (3):» أما التفسير؛ فكان فيه آية من آيات الله تعالى،بحيث كان يُظهر التأسف في إهمال تقييد ما يقع له من ذلك مما لا يكون منقولاً. . . وفي أواخر الأمر صار بعض طلبته يعتني بكتابة ذلك «.

وصدق القائل:» وكم حسرات في بطون المقابر «.

وأنت إذا نظرت في سير العلماء، وكيف حرصهم على اغتنام الزمان وتقييد الفوائد رأيت عجباً!.

فهذا الإمام البخاري ــ رحمه الله ــ (جبل الحفظ) يستيقظ مرات كثيرة في الليل ليقيد الفوائد، قال راويته الفِِرَبري:» كنت مع محمد بن إسماعيل بمنزله ذات ليلة، فأحصيت عليه أن قام وأسرج يستذكر أشياء يعلقها في ليلة ثمان عشرة مرة «(4).

وهذا الإمام الشافعي (204) يحكي عنه صاحبه الحُمَيْدي ــ لما كانا بمصرـ أنه كان يخرج في بعض الليالي فإذا مصباح منزل الشافعي مُسرج، فيصعد إليه» فإذا قرطاس ودَوَاة، فأقول: مَهْ يا أبا عبد الله! فيقول: تفكرت في معنى حديث ــ أو في مسألة ــ فخِفْت أن يذهب عليَّ فأمرت بالمصباح وكتبته «(5).

وقد مر معنا خبر أبي الوفاء بن عقيل الحنبلي، فلا نعيده.

وذكر ابن الأبَّار الحافظ في معجم أصحاب الصدفي (6) في ترجمة العلامة أبي القاسم ابن ورد التميمي (540) أنه كان لا يُوْتى بكتاب إلا نظر أعلاه وأسفله، فإن وجد فيه فائدة نقلها في أوراق عنده، حتى جمع من ذلك موضوعاً.

وذكر الحافظ ابن حجر في ترجمة الإمام الزركشي (794) صاحب البحر المحيط وغيره (7) أنه كان يتردد إلى سوق الكتب، فإذا حضره أخذ يُطالع في حانوت الكتبي طوال نهاره، ومعه ظهور أوراق يُعلق فيها ما يعجبه، ثم يرجع فينقله إلى تصانيفه.

وقد دون كثير من العلماء هذه الفوائد في كتب مفردة، مثل: الفنون لابن عقيل وهو من أضخم الكتب، والفوائد العونية للوزير ابن هبيرة، وصيد الخاطر وغيره لابن الجوزي، وقيد الأوابد في 400مجلد للدغولي، وعيون الفوائد لابن النجار في 6 أسفار، وبدائع الفوائد والفوائد لابن القيم، والتذكرة للكندي في 50 مجلداً، ومجمع الفوائد ومنبع الفرائد للمقريزي كالتذكرة له في نحو 100 مجلد (8) وتذكرة السيوطي في أنواع الفنون في 50 مجلداً، وتذكرة الصفدي في مجلدات كثيرة أكثر من 30 منها أجزاء مخطوطة. وغيرها كثير.

ولا يتوهمن أحد لأجل ثنائنا وإشادتنا بتقييد العلم وتدوين الفوائد، أنا نقلل من أهمية الحفظ ونحط من شأنه كلاً؛ إذ لا تعارض بينهما بحمد الله تعالى، وهل من ذكرنا خبرهم ـ قريباً ـ في حرصهم على التقييد. . . إلا من أكابر الحفاظ!!


تأليف/ علي بن محمد العمران.

الهوامش:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المجموع: (1/ 39).
(2) المصدر نفسه (1/ 38).
(3) (2/ 611).
(4) السير: (12/ 404).
(5) آداب الشافعي مناقبه: (ص/44 – 45) لابن أبي حاتم.
(6) (ص/25).
(7) الدرر الكامنة: (3/ 397 – 398).
(8) وقيل (80).

ـ[أبو الفرج المنصوري]ــــــــ[18 - 02 - 06, 09:24 ص]ـ
جزاكم الله خيرا أخي الحبيب ونفع بك

ـ[أبو ثابت]ــــــــ[18 - 02 - 06, 12:04 م]ـ
أحسنت أخي سامي
فكم فقد الكثيرُ منا الكثيرَ من الفوائد والشوارد.
ومما يتفطر له القلب كمداً وحزناً ضياع أوراقه وكراساته
التي ملأها فوائد قيمة.
ولي تجربة مرة عشتها.
وهي فقداني لفوائد حديث جمل جابر فقد تجاوزت عشرين ومائة فائدة
والحمد لله على كل حال.
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير