مقدار عشر أوراق مختصرة مما جرى لأقطعهم بها عني وعن ملازمة بابي"، ولم يتهيأ لي شرح هذا كله، لما تخوفت على نفسي مما قد يلحقني بعضه، وأنا أذكر بعد هذا المجلس ما جرى، بسبب تلك الأوراق التي كتبها الناس عني في كتاب مفرد بعد هذا إن شاء الله.
فيؤخذ من كلام الكناني هذا أنه قد بدأ بكتابة هذه المناظرة بنفسه، فقد كتب مقدار عشر أوراق، ويظهر من هذا أنه أكمل الباقي بعد ذلك لأن الكتاب كله يتكون من سبع وثلاثين ورقة.
وأن بشرا وأتباعه مازالوا يلبسون على، المأمون، ويحثونه على إيذاء المخالفين لهم لاسيما عبد العزيز الكناني في هذا الم لمحت الذي انتشر فيه خبر المناظرة، كما أشار الكناني إلى ذلك.
بشرا المريسي في مجلس المأمون بمناظرة عجيبة غريبة فانقطع بشر وظهر عبد العزيز، ومناظرتهما مشهورة مسطورة، وعبد العزيز هو صاحب "الحيدة" وهو معدود في أصحاب الشافعي.
وابن أبي العز الحنفي في كتابه شرح الطحاوية.
9 - فقد قال في ص 122 - 123 الطبعة الثانية تحقيق زهير الشاوش
قال: وبمثل ذلك ألزم الإمام عبد العزيز المكي بشرا المريسي بين يدي المأمون، بعد أن تكلم معه ملتزما أن لا يخرج عن نص التنزيل وألزمه الحجة، فقال بشر: "يا أمير المؤمنين ليدع مطالبتي بنص التنزيل ويناظرني بغيره، فإن لم يدع قوله ويرجع عنه، ويقر بخلق القرآن الساعة وإلا فدمي حلال". قال عبد العزيز: تسألني أم أسألك؟
فقال بشر: اسأل أنت، وطمع فيّ فقلت له: يلزمك واحدة من ثلاث لا بد منها إما أن تقول: إن الله خلق القرآن، وهو عندي أنا كلامه- في نفسه أو خلقه قائما بذاته ونفسه، أو خلقه في غيره"؟
قال: "أقول: خلقه كما خلق الأشياء كلها". وحاد عن الجواب. فقال المأمون: اشرح أنت هذه المسألة ودع بشرا فقد انقطع. فقال عبد العزيز؟ إن قال خلق كلامه في نفسه فهذا محال لأن الله لا يكون محلا للحوادث المخلوقة، ولا يكون فيه شيء مخلوق. وإن قال خلقه في غيره فيلزم في النظر والقياس إن كل كلام خلقه الله في غيره فهو كلامه. فهو محال أيضا لأنه يلزم قائله أن يجعل كل كلام خلقه الله في غيره- هو كلام الله ... إلى أن قال: هذا مختصر من كلام الإمام عبد العزيز في "الحيدة" انظره في الحيدة ص
وبهذا يتضح أنه ليس عند الذهبي رحمه الله في رد الكتاب إلا وجهة نظر ذكرها في لسان الميزان، وبسببها استبعد وقوع هذه المناظرة وهي عدم رجوع المأمون عن رأيه في خلق القرآن، وقد عرفنا إن الشبهة كانت قوية، وأن بشرا وإتباعه لا زالوا يتابعون الكناني ويستثيرون المأمون عليه، كما أشار هو لذلك. ثم إن الذهبي رحمه الله نفسه أثبت نسبة الحيدة- للكناني في كتابيه العبر، ودول الإسلام، وكذلك العلماء الآخرون قبله وبعده كالخطيب، وابن النديم،
وأبو إسحاق الشيرازي، وابن كثير، وكذلك السبكي فإنه أثبت المناظرة، أما ما أشار إليه من الأمور المستشنعة في الرسالة- فإنه لم يوضح ذلك ولو بمثال واحد كما سبق ذلك. كل ذلك يجعلنا نطمئن إلى أن كتاب "الحيدة" هو من تأليف عبد العزيز الكناني وقد نصر فيه السنة، وقمع البدعة، وقد استفاد من هذا الكتاب أناس كثيرون. غير المأمون الذي لم يستفد من تلك المناظرة ومعلوم أن المأمون لا يريد إلا الحق، ولكنه لم يهتد إليه- ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى 12/ 488.
"فإن الإمام أحمد قد باشر الجهمية الذين دعوه إلى خلق القرآن، ونفي الصفات وامتحنوه وسائر علماء وقته، وفتنوا المؤمنين والمؤمنات الذين لم يوافقوهم على التجهم بالضرب والحبس والقتل والعزل من الولايات وقطع الأرزاق ورد الشهادة وترك تخليصهم من أيدي العدو ... إلى أن قال: ثم إن الإمام أحمد دعا للخليفة وغيره، ممن ضربه وحبسه، واستغفر لهم، وحللهم مما فعلوه به من الظلم والدعاء إلى القول الذي هو كفر، ولو كانوا مرتدين عن الإسلام لم يجز الاستغفار لهم، فإن الاستغفار للكفار لا يجوز بالكتاب والسنة والإجماع، وهذه الأقوال منه ومن غيره من الأئمة صريحة في أنهم لم يكفروا المعينين من الجهمية الذين كانوا يقولون القرآن مخلوق"، كما ذكر في ص 501: إن من ثبت إيمانه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك، بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة. اهـ
¥