وأما حديث ابن عباس وهو عمدة هؤلاء فهو مروي بألفاظ مختلفة وأنماط كثيرة، الصحيح منها ما رواه سعيد بن جبير عنه قال: إن يهودا كانوا يقولون مدة الدنيا سبعة آلاف سنة، وإنما نعذب لكل ألف سنة من أيام الدنيا يوما واحدا في النار، وإنما هي سبعة أيام معدودات، ثم ينقطع العذاب، فأنزل الله تعالى (وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة .. ) الآية.
وهكذا عاد هذا القول في حقيقته إلى أخبار الأحبار، وظهر أن أصل هذه البدعة يهودي لا سلفي، وأنه من المنقول في كتبهم، مما لقي رواجا بين العامة والخاصة، حتى إن الضعفاء وضعوا أحاديث على النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى المنقول عن بني إسرائيل، كذلك الحديث الذي يرويه العلاء بن زيد – وهو تالف عند أهل العلم – عن أنس مرفوعا: عمر الدنيا سبعة أيام من أيام الآخر ة، قال تعالى (وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون) رواه ابن عدي، وهذا من أسمج الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوقحه.
وتلك لعمري دعوى عريضة من اليهود، وذلك مزعم لهم حملهم عليه التعالم على هذه الأمة التي سحبت منهم بساط الأفضلية والخيرية، وليس ذلك فحسب، فهم يزعمون أكثر من علمهم عُمر الدنيا: يزعمون أنهم يعلمون متى تقوم الساعة، ومتى تحل أشراطها.
روى ابن جرير في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سأل ابن أبي قشير وشمول بن زيد رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا محمد أخبرنا متى الساعة إن كنت نبيا كما تقول، فإنَّا نعلم متى هي! فأنزل الله: يسألونك عن الساعة أيان مرساها .. الآية.
ومن يكون ابن أبي قشير وشمول بن زيد، إنهم من رؤوس الأحبار المتعالمين، وهم أصل هذا العلم التطفلي المزعوم، وخابوا وخسروا (لا تأتيكم إلا بغتة)، فهذان وأشباههم من أحبار بني إسرائيل هم سلف أولئك، لا ابن عباس ولا غيره من الصحابة.
4 - محاولات باءت بالفشل:
لقد أثرت دعوى الأحبار في كثير من أهل الملة، فحاولوا الكشف عن مغيبات لا يعلم وقتها إلا الله سبحانه وتعالى، فباءت محاولاتهم بالفشل، ذلك لأنهم لا يعتمدون على ركن رشيد في هذه الدعوى، ولا أصل من الكتاب والسنة، بل الأصول تردُّ عليهم جملة وتفصيلا كما بينا ذلك، ويكون الواقع دائما أول مكذب لهم في دعواهم، فيأتي اليوم الموعود ولا يحصل شيء مما يذكرون.
فمن هذه المحاولات بعد بني إسرائيل:
ذلك الرجل الذي عمل السيوطي رسالته الكشف في مجاوزة هذه الأمة الألف للرد عليه، حيث زعم أن أشراط الساعة من خروج المهدي والدجال ونزول عيسى وما إلى ذلك تقع في المائة العاشرة، وكان مستنده ما اشتهر على ألسنة الناس: أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكث في قبره ألف سنة، وهذا حديث باطل لا أصل له ولا يعرف في شيء من كتب الحديث كما بين ذلك ابن حجر ومن بعده السيوطي في رسالته المزبورة، وها نحن قد تجاوزنا الألف بقرون وما حصل مما زعم شيئا.
وكان قبل هذا الرجل بقرون إمام عالم مشهور، بدت منه هفوة في لحظة ترف علمي، فنسج على هذا المنوال، وشرع يبني على نصوص من العهد القديم، وعلى كتاب النبي دانيال، واستخلص من ذلك أن خروج الدجال يكون عام ثلاثمائة من الهجرة، ثم كتب هذه التنبؤات المبنية على تفسيرات لنصوص توراتية في كتاب مات في مهده، ذلك الرجل هو ابن المنادي.
قال الحافظ أبو الخطاب بن دحية الكلبي في سياق الرد على ابن المنادي: .. ودانيال نبي من أنبياء إسرائيل، كلامه عبراني، وهو على شريعة موسى، وكان قبل عيسى بزمان، ومن أسند مثل هذا إلى نبي عن غير ثقة أو توقيف من نبينا صلى الله عليه وسلم فقد سقطت عدالته – لاحظ كيف يجرح من يتطفل على علم الله تعالى – إلا أن يبين وضعه لتصح أمانته، وقد ذكر في هذا الكتاب من الملاحم وما كان من الحوادث وسيكون، وجمع فيه من التنافي والتناقض بين الضب والنون، وأغرب فيما أغرب في روايته عن ضرب من الهوس والجنون، وفيه من الموضوعات ما يكذب آخرها اولها، ويتعذر على المتأول لها تأويلها وما يتعلق به جماعة الزنادقة من تكذيب الصادق المصدوق محمد صلى الله عليه وسلم أن في سنة 300 يظهر الدجال من يهود أصفهان، وقد طعنا في أوائل سنة 700 وذلك شيء ما وقع.
¥