فهذا مما يبيّن أنَّ هذه الإحصائية تحتاج إلى إعادة نظر، ولا يمكن أن نجزم بالفروقات بين الروايتين إلاَّ إذا اعتمدنا على أصول صحيحة، وأقوال أهل العلم في الأحاديث، والنظر فيها، خاصة ما ذكر أبو العباس الداني في كتاب الإيماء إلى أطراف الموطأ، فإنَّه وضع كلَّ حديث موضعه من الموقوف والمرفوع والمرسل، والله أعلم بالصواب.
· نسخ الرواية المخطوطة والمطبوعة:
وقفت لموطأ أبي مصعب على ثلاث نسخ خطية، نسختان كاملتان، وثالثة ناقصة:
النسخة الأولى: أصلها محفوظ بمكتبة سالار جنك (الهند)، ولها صورة مصورة بالجامعة الإسلامية برقم: (703).
النسخة الثانية: أصلها محفوظ بالظاهرية، ولها صورة في الجامعة الإسلامية برقم: (1720)، وهذه النسخة ناقصة.
النسخة الثالثة: نسخة مصوّرة بالجامعة الإسلامية برقم: (4081).
المطبوع من هذه الرواية:
طُبعت رواية أبي مصعب في الأعوام الأخيرة، بمؤسسة الرسالة ببيروت، وقام بتحقيق هذه الرواية د ـ بشار عواد، ومحمود خليل، وقد قاما بضبط نص هذه النسخة، ومقابلتها برواية يحيى الليثي، وتخريج أحاديثها من طريق مالك من دواوين السنة، وترقيم نصوصها، وإخراجها بشكلٍ وحُلَّةٍ جيّدة يستفيد منها طلبة العلم.
ولي على هذه النسخة عدة ملحوظات:
الأولى: أنَّ المحقِّقَين لم يعتمدا إلاَّ على النسخة الهندية، وهي متأخرة، وللكتاب عدَّة نسخ كما تقدّم.
الثانية: أنَّ ناسخ النسخة الهندية أثبت الفروقات بين رواية يحيى الليثي وهذه الرواية، فأغفلا تعليقاته.
الثالثة: أنَّهما ذكرا بعض هذه التعليقات (وهي فروقات) داخل النص، ولا شك أنَّ هذا خطأٌ جسيمٌ، وتسوُّرٌ على رواية أبي مصعب، وكأنَّهما ظنَّا أنَّ تلك الفروقات التي يذكرها الناسخ لحق وسقط من رواية أبي مصعب فأثبتاها في النص!!
منها:
حديث: (دعه فإن الحياء من الإيمان).
اختلف فيه الرواة عن مالك، فوصله جماعة وأرسله آخرون، فممن أرسله أبو مصعب الزهري كما (ل:111/ب ـ نسخة مصورة في الجامعة الإسلامية برقم: 4081)، وكذا جاءت الرواية مرسلة في النسخة الهندية (ل:230/أ) التي اعتمدها بشار عواد في تحقيقه، وأثبت الناسخ في الحاشية كلمة: (عن عبد الله) من رواية يحيى الأندلسي موضّحاً الخلاف بين الروايتين، ثم جاء بشار عواد فنقل الحاشية إلى الأصل (2/ 76) (رقم:1890) ظنًّا منه أنها سقطت من الأصل، والصواب إسقاط لفظة: (عن عبد الله)، والحديث عند أبي مصعب مرسل في هاتين النسختين. وقال الدارقطني: ((أرسله القعنبي وأبو مصعب)) أحاديث الموطأ (ص:11).
وحديث: لا يصبر على لأوائها وشدتها ...
رواه مالك عن قطن بن وهب بن عويمر بن الأجدع، عن يحنس مولى الزبير، عن ابن عمر.
ووقع عند بعض رواة الموطأ: (قطن بن وهب، عن عويمر) تصحف (ابن بـ (عن).
وهي رواية أبي مصعب الزهري (2/ 54) (رقم:1847)، وهي كذا في الأصل كما في النسخة الهندية (ل:224/أ) وأصلحها المحققان؟! فقالا في حاشيته: (في الأصل: عن، والصواب: بن).
قلت: الصواب من رواية أبي مصعب: عن، كما ثبت في النسخة الهندية، وفي نسخة أخرى بالجامعة الإسلامية (برقم:4081).
وكذا جاء بالتصحيف عند بعض رواة الموطأ ().
الرابعة: اعتمادهم في العزو على رواية يحيى المطبوعة بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، وفيها من الأخطاء من حيث السقط، ووصل المرسل ما بينته في المقال السابق، وبالعكس من ذلك فقد يخطِّئون ما هو صواب في المطبوع من رواية يحيى بزعم أنَّها لم تتحد في الإسناد مثلاً مع رواية أبي مصعب وغيره.
مثاله حديث جابر بن عبد الله: ((أن رسول الله r نحر بعض هديه بيده ... ))، فهو في رواية أبي مصعب (1/ 534/رقم:1381) من مسند جابر، وتابعه أكثر الرواة، وقال فيه يحيى: عن علي بن أبي طالب، وتابعه القعنبي، فقال المحققان في التعليق على الحديث: ((في المطبوع من رواية يحيى:256 تحرّف إلى: علي بن أبي طالب، والصواب جابر بن عبد الله كما في التخريج))!.
قلت: لو رجعا إلى النسخ الخطية، أو أقوال أهل العلم في الحديث كابن عبد البر لوجدا أنّ ما ورد في المطبوع من رواية يحيى صحيح ().
هذه بعض الأمثلة تبين ما وقع فيه المحققان لرواية أبي مصعب من أخطاء في قراءة النص والتعليق عليه، سببه عدم الرجوع إلى الأصول الخطية الصحيحة من رواية يحيى الليثي، وكذا الرجوع إلى الأصول الخطية من رواية أبي مصعب، والاكتفاء بنسخة واحدة متأخرة النسخ، والكتاب بحاجة إلى إعادة تحقيق ونظر، والله تعالى أعلى وأعلم.
ـ[المستشار]ــــــــ[11 - 06 - 05, 04:05 ص]ـ
الراية:
صدقتَ، فقد كان الخلل في برنامج الحماية على جهازي، وقد استطعتُ تنزيل الملف أخيرًا كما وضعه الشيخ أبو عبد الباري نفع الله به.
ونفع الله بكم جميعًا، وجزى الله أبا عبد الباري على ما تفضل به خيرًا، ونفع به.
ـ[المستشار]ــــــــ[18 - 06 - 05, 07:13 ص]ـ
وهذا موضوع في (خزانة الكتب والأبحاث) من الملتقى عن زيادات رواية أبي مصعب عن مالك:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=29590
¥