تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وفي الآونة الأخيرة حقَّق أحدهم كتابًا، وفي مقدمة التحقيق عرَّض ببعض العلماء، وذكر أمورًا لا شأن لها بالكتاب المُحَقَّق، ولا بالمؤلِّف، ولكن هكذا أراد سامحه الله. وقد أُخِذَت عليه هذه الفعلة، حتى قال أحد الأفاضل: لعلَّه ما حقَّق هذا الكتاب، ولا قدَّم له؛ إلا ليجعل ذلك وسيلة من خلالها يبث فكره، ويشفي صدره.

وقد اشتهرَ نفرٌ بهذه الصفةِ الرديئةِ، حتى أصبحت بضاعتَهُم التي عُرِفُوا بها (1).

ووافق ذلك تيارٌ لبعضِ قاصري النظر، همهم متابعة سَقَطَات الناس، يفرحون بكلِّ زلةٍ ونقدٍ، ويطير عقل أحدهم إذا علم بأنَّ فلانًا أخطأ في تحقيق كتابٍ، أو سرقَ كتابًا فَكُشِفَ أمره (2)، أو داعية زل لسانه، وخانه تعبيره، أو عالمًا قال كلامًا يحتمل أمرين (قد يكون) الآخر منهما سيئًا؛ فتجدهم يبحثون بهمة عن هذه السقطات (وبعضها موهوم)، ويُسَرعون في اقتناء الكتب المحتوية على الردود، ويشترون كلَّ ردٍ، ولو كان غثًّا، ولو زرت مكتب أحدهم لوجدتها عامرةٌ بكتبِ ”الردود”، خالية من بعض المراجع الأصيلة في العلم الموصل إلى ”الجنة”.

وخرجت علينا الشبكة اللعينة ”الإنترنت”، فساهمت في نشر هذه الردود، وإثراء مادتها، فـ ”أزداد الطين بلة”.

والغريب أنَّك تجد أغلب هذه الردود مختومة بأسماء مستعارة، مركبة من كنية ولقب (3).

فمن هو صاحب هذا الرد، أو ذاك؟

هل هو من العلماء العارفين؟ فنقبل قوله، ونسلم له.

أو هو من طلاب العلم المطَّلِعين؟ فنستفد من كلامه، ونناقشه فيه.

أو من المبتدئين المتعالمين؟ فنعرض عنه؛ لعدم كفاءته.

أو من الشباب الولعين بتتبع الزلات؟ فننصح بعدم قراءته؛ لرداءة منهجه.

أسئلةٌ ليس لها جواب، ولكنَّ الردَّ أمامك، وما عليك إلا أخذه أو تركه.

واشتهرت مواقع بذلك، فأصبح همَّها تربية طلاب العلم على النقد والتجريح في المحقِّقين والمؤلفين، والعلماء وطلاب العلم والدعاة، وتجد في كتاباتهم التحامل الشديد في النقد، بأسلوبٍ لاذعٍ، مبني على تجريد الشخصيَّة العلميَّة (المُنْتَقَدَة) من كلِّ الصفات العلميَّة، لأجل أخطاء معدودة (بعضها موهوم)، فلم يسلمْ منهم أحد.

والغريب أنَّ كل هذه المهاترات تأتي باسم النقد العلمي، والدفاع عن المنهج السلفي، وقد يكون لتصفية الحسابات الشخصية أوفر النصيب من هذه الردود.

فأقول لإخواني المشتغلين بالنقد، وللمشرفين على هذه المواقع والمنتديات:

اتقوا الله في أعرض المسلمين، وأعلموا أنَّكم ستقفون بين يدي الله ـ تعالى ـ يوم القيامة، وستحاسبون على ما خطت أيديكم، وما أذنتم بنشره.

وأرجو منكم ـ معاشر الأخوة ـ أنْ تحسنوا بي الظن حول هذه المسألة.

فأنا لا أمنع الجرح والتعديل، ولا أمنع النقدَ العلمي الهادف، ولا أمنع ـ كذلك ـ من ”الرد على المخالف”؛ فهذا ”من أصول الإسلام”.

ولكن أمنع ـ بل أحارب ـ التجريح المبني على التشفّي، ودون مراعاة الجوانب العلميّة والسلوكيّة أثناء الرد.

أمنع النقد والرّد الذي ينسف كل الحسنات.

كما أمنع المسامحة التي تغض الطرف عن الأخطاء العلميّة، ولا سيما ما يتعلق بمخالفة المنهج السلفي، بعد المناصحة، ونصب الدليل، وإقامة الحجة، والله المستعان.

وفقه الله الجميع لما يحبه ويرضاه ...

ـــــــــــــــ

الهوامش:

(1) ولهؤلاء ـ المُنْتَقِدين ـ أوهامٌ في كتبهم عجيبة، لو تصدى لجمعها أحد الفارغين والعاشقين لمثل هذه الأمور، لصدرت في كتابٍ يشفي قلوبَ من تكلَّموا فيهم، وجرحوهم، و اتهموهم بالباطل.

(2) وهذا يتضمن الفرحَ بوجود الخطأ، والمعصية، وصدورها من مسلم؛ فتأمَّل.

(3) وبعضها مستعارٌ من أسماء وألقاب أئمة السلف؛ كـ: أبي بكر، أبي حفص، أبي العباس، ابن الجوزي، ابن القيّم، المهاجر، الأنصاري، السَّلفي، الأثري، البربهاري ...

وفي ذلك تزكية لنفسه، وليتهم لمَّا فعلوا هذا تأدبوا بأدبِ من استعاروا اسمه.

ومن غريب ما وقفت عليه من الاستعارات ما يفعله بعضهم من الانتساب ـ كذبًا ـ إلى القبائل العربية الحرة، وهو لا يدرى مَنْ هو جَدُّهُ الرَّابع.


عبدالله بن محمد، الحوالي، الشمراني
ص ب: (103871) ـ الرياض: (11616)
Email: [email protected]

ـ[أبوعبدالرحمن الدوسري]ــــــــ[01 - 08 - 05, 02:19 ص]ـ
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير