تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كبيراً، فربما جره الأعرابي من ردائه حتى يؤثر في رقبته، فيحنو عليه النبي عليه الصلاة والسلام ويضحك ويجيب له طلبه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحمل أهل البادية والحاضرة فهو أسوة لجميع أهل العلم والمسلمين ثم أصحابه كان لديهم من الحلم والصبر الكثير أيضاً، كالصديق وعلي وطلحة وغيرهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكان عمر لديه بعض الحدة لكنه كان أَخْيَر الناس وأصدقهم وأكملهم إيماناً ". وكل مطلع على أقوال ابن باز وكتاباته في تبيين الحق للمخطئين لن يجد شيئاً أسهل من الوقوف في ثناياها على تطبيقه – رحمه الله – للهدي النبوي، كحسن الظن بالمخطئ وأخذه على ظاهره، واحترام شخصه، وعدم الهزء به، وحب الخير له، ونحوه مما عرضنا له إجمالاً في معالم منهجه.

ومن الأشياء التي أراها أكسبته ذلك المنهج المتميز هو اختلاطه بالناس على مختلف طبقاتهم، كبيرهم وصغيرهم، عالمهم وجاهلهم، حاكمهم ومحكومهم، فصارت لديه معرفة في نفسيات الناس، وكيفية مخاطبتهم والتأثير فيهم، والأساليب المثلى في توجيههم إلى الخير، وهدايتهم للطريق القويم.

ولا شك أن معايشته للعديد من التقلبات السياسية والفكرية والاجتماعية التي مرت على العالمين العربي والإسلامي إبان القرن الرابع عشر الهجري وشطر من الخامس عشر – ذات أثر في تشكيل فكره ومن ثم منهجه في الحوار من الآخرين ومناقشته لإطروحاتهم وأفكارهم، فلقد شهد أحداثاً جساماً كنشوء بعض الدول وسقوط أخرى، والجهاد العسكري ضد الاستعمار في أكثر من قطر، واجتياح الدعوات القومية والشيوعية لكثير من البلاد العربية والإسلامية، وقيام الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، وهزائم العرب أمام ذلك الكيان لا سيما في سنة 1967م، ثم خفوت الأصوات القومية وتنامى الأصوات الإسلامية، وتصدي بعض الأنظمة للمد الإسلامي، والحروب التي قامت بين الدول العربية والإسلامية. وكل ذلك صاحبه –بطبيعة الحال – حوارات ومواجهات ومعارك فكرية واجتماعية بين العلماء وغيرهم في شتى أقطار العرب والمسلمين.

والملاحظ أن ابن باز رحمه الله – حسب علمي – لم تظهر تنبيهاته وكتاباته على الساحة في المجال الذي نتحدث عنه إلا بعد أن جاوز الخمسين من عمره بمعنى أنه حين نضج علمياً وعقلياً، فصار منهجه في نصح الآخرين والتنبيه على تجاوزاتهم منهج العالم المدقق، والعاقل الواعي المدرك لخلفيات وأثر ما يقول ويكتب.

وأعتقد جازماً أن من أهم الأمور التي جعلت لابن باز منهجاً متميزاً في الردود على الخاطئين، ومناقشته المخالفين الإخلاص الذي تحسه في كلماته، وتلمسه في كتاباته، فهو لم يرد على أحد ليقضي عليه ويحطمه ويقفز للشهرة على أكتافه، ولم يجادل أحداً ليسفه رأيه ويكشف ضآلة علمه، ولم يكتب ضد فلان لكسب مال أو جاه، وإنما كان – رحمه الله – يبتغي الحق فيما يقول. وبالرجوع إلى مفردات منهجه التي سبقت تعرف – حتى دون أن تتمعن فيها – صدق إخلاصه. ونضيف هنا أنه يحرص – رحمه الله – على عنونة ردوده على المخالفين بتنبيهات وهذا يوحي بالمقصد الحقيقي من كتاباته في هذا الميدان. وإخلاص الشيخ ونزاهته، وصدق لهجته، وسعيه بتجرد وموضوعية لبلوغ الحق إذا حاور غيره أو ناقشه استيقن به العلماء والمنكرون وطلبة العلم، يقول الدكتور محمد منير الغضبان:" قد يختلف الكثيرون من أهل العلم معه في الرأي، وقد يختلفون معه حتى في المنهج الذي يمثله في مدرسته، ولكن لا يختلفون أبداً على الإشادة باستقامته ونزاهته وزهده وتواضعه ويقول الشيخ محمد الغزالي قبل وفاته – رحمه الله – عن ابن باز:" لقد كنت أقول دائماً في عالم سلفي نقي مخلص مثل الشيخ عبدالعزيز بن باز إنه من طلاب الآخرة، وممن يؤثرون ربهم على دنياهم، وقد تكون بيننا خلافات فقهية فما قيمة هذا الخلاف وما أثره؟ إن الأئمة الكبار اختلفوا، بل إن داود وسلميان قد اختلفا في الحكم، وهما من هما في النبوة والعلم والحكمة ". ولقد أخبر الشيخ يوسف القرضاوي عما شهده عياناً من طبيعة ابن باز في تلقي وجهات نظر غيره وآرائهم، فقال:" ولقد رأيته في المجمع الفقهي يستمع وينصت إلى الآراء كلها، ما يوافقه منها وما يخالفه، ويتلقاها جميعاً باهتمام، ويعلق بأدب جم، ويعارض ما يعارض منها برفق وسماحة دون استعلاء

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير