تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[محاسبة النفس ضرورة ملحة ... الشيخ يعقوب حفظه الله]

ـ[حسن عبد الحي]ــــــــ[11 - 03 - 06, 06:43 م]ـ

محاسبة النفس ضرورة مُلِحّة

النفس بطبيعتها كثيرة التقلّب والتلوّن، تؤثر فيها المؤثّرات، وتعصف بها الأهواء والأدواء، فتجنح لها وتنقاد إليها، وهي في الأصل تسير بالعبد إلى الشرّ كما قال ـ تعالى ـ: {إنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي} [يوسف: 53]، ولذا؛ فإن لها خطراً عظيماً على المرء إذا لم يستوقفها عند حدّها ويلجمها بلجام التقوى والخوف من الله، ويأطرها على الحق أطراً.

قال لقمان الحكيم لابنه: (يا بنيّ: إن الإيمان قائد، والعمل سائق، والنفسَ حرون؛ فإن فتر سائقها ضلّت عن الطريق، وإن فتر قائدها حرنت، فإذا اجتمعا استقامت. إنّ النفس إذا أُطمعت طمعت، وإذا فوّضْت إليها أساءت، وإذا حملتها على أمر الله صلحت، وإذا تركت الأمر إليها فسدت؛ فاحذر نفسك، واتهمها على دينك، وأنزلها منزلة من لا حاجة له فيها، ولا بُدّ له منها. وإنّ الحكيم يذلّ نفسه بالمكاره حتى تعترف بالحق، وإنّ الأحمق يخيّر نفسه في الأخلاق: فما أحبّت منها أحبّ وما كرهت منها كره).

ومن هنا كان لزاماً على كل عبدٍ يرجو لقاء ربّه أن يطيل محاسبته لنفسه، وأن يجلس معها جلسات طِوالاً؛ فينظر في كل صفحة من عمره مضت: ماذا أودع فيها، ويعزم على استدراك ما فات ويشحذ همّته لسفره الطويل إلى الله ـ تبارك وتعالى ـ.

أولاً: معنى المحاسبة:

· قال الماوردي في معنى المحاسبة: (أن يتصفّح الإنسان في ليله ما صدر من أفعال نهاره، فإن كان محموداً أمضاه وأتبعه بما شاكله وضاهاه، وإن كان مذموماً استدركه إن أمكن وانتهى عن مثله في المستقبل).

· وقال ابن القيم ـ رحمه الله ـ: (هي التمييز بين ما له وما عليه (يقصد العبد) فيستصحب ما له ويؤدي ما عليه؛ لأنه مسافرٌ سَفَرَ من لا يعود).

· وأما الحارث المحاسبي فقد عرّفها بقوله: (هي التثبّت في جميع الأحوال قبل الفعل والترك من العقد بالضمير، أو الفعل بالجارحة؛ حتى يتبيّن له ما يفعل وما يترك، فإن تبيّن له ما كره الله ـ عز وجل ـ جانبه بعقد ضمير قلبه، وكفّ جوارحه عمّا كرهه الله ـ عز وجل ـ ومَنَع نفسه من الإمساك عن ترك الفرض، وسارع إلى أدائه).

ثانياً: أهمية محاسبة النفس:

لمحاسبة النفس فوائد متعدّدة نذكر منها ما يلي:

1 - الاطلاع على عيوب النفس ونقائصها ومثالبها، ومن ثمّ؛ إعطاؤها مكانتها الحقيقية إن جنحت إلى الكبر والتغطرس. ولا شك أن معرفة العبد لقدر نفسه يورثه تذلّلاً لله فلا يُدِلّ بعمله مهما عَظُم، ولا يحتقر ذنبه مهما صغر. قال أبو الدرداء: (لا يفقه الرجل كلّ الفقه حتى يمقت الناس في جنب الله، ثم يرجع إلى نفسه فيكون أشدّ لها مقتاً).

2 - أن يتعرّف على حق الله ـ تعالى ـ عليه وعظيم فضله ومنّه؛ وذلك عندما يقارن نعمة الله عليه وتفريطه في جنب الله، فيكون ذلك رادعاً له عن فعل كل مشين وقبيح؛ وعند ذلك يعلم أن النجاة لا تحصل إلا بعفو الله ومغفرته ورحمته، ويتيقّن أنه من حقّه ـ سبحانه ـ أن يطاع فلا يعصى، وأن يُذكر فلا يُنسى، وأن يُشكر فلا يُكفر.

3 - تزكية النفس وتطهيرها وإصلاحها وإلزامها أمْر الله ـ تعالى ـ.

· قال ـ تعالى ـ: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} [الشمس: 9، 10]،

· وقال مالك بن دينار: (رحم الله عبداً قال لنفسه: ألستِ صاحبة كذا؟ ألستِ صاحبة كذا؟ ثم ذمّها، ثم خطمها، ثم ألزمها كتاب الله ـ عز وجل ـ فكان لها قائداً).

4 - (أنها تربّي عند الإنسان الضمير داخل النفس، وتنمّي في الذات الشعور بالمسؤولية ووزن الأعمال والتصرّفات بميزان دقيق هو ميزان الشرع).

· حكى الغزالي في (الإحياء) أنّ أبا بكر ـ رضي الله عنه ـ قال لعائشة ـ رضي الله عنها ـ عند الموت: (ما أحدٌ من الناس أحبّ إليّ من عمر) ثم قال لها: (كيف قلتُ؟) فأعادت عليه ما قال، فقال: (ما أحدٌ أعزّ عليّ من عمر)!! يقول الغزالي: (فانظر كيف نظر بعد الفراغ من الكلمة فتدبّرها وأبدلها بكلمة غيرها).

ثالثاً: فضل المحاسبة والآثار الواردة في ذلك:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير