تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد أخطأ الإمام النووي –رحمه الله– حيث ذكر هذه القصة وسكت عليها. وكان الأوْلى أن لا يذكرها حتى لا يغر بها القراء ويستشهدوا بها. أقول: كيف تصح هذه القصة وفيها يقول العتبي: «جاء الأعرابي إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: "جئتك مستغفرا من ذنبي"، بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وهو في قبره؟ والله تعالى يقول في كتابه: { ... وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ ... } (135) سورة آل عمران. أي لا يغفرها أحدٌ سواه. قال الحافظ ابن عبد الهادي الحنبلي: «ولم يفهم أحدٌ من السلف والخلف من الآية الكريمة { ... وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا} (64) سورة النساء، إلاّ المجيء إليه في حياته صلى الله عليه وسلم ليستغفر لهم».

وهذه قضية لها علاقة بالعقيدة والتوحيد، فلا يجوز التساهل فيها والسكوت عنها. وإن عقائد السلف الصالح أنهم يعبدون الله تعالى وحده ولا يشركون به شيئاً. فلا يَسأَلون إلا الله تعالى، ولا يستعينون إلا بالله عز وجل، ولا يستغيثون إلا به سبحانه، ولا يتوكلون إلا عليه جل وعلا. ويتوسّلون إلى الله تعالى بطاعته وعبادته والقيام بالأعمال الصالحة لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ ... } (35) سورة المائدة. أي تقربوا إليه بطاعته وعبادته سبحانه وتعالى.

قال عبد الله بن مسعود t: « اتّبِعوا ولا تبتدِعوا فقد كُفيتم». وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: «قِفْ حيث وَقَفَ القوم. فإنهم عن عِلْمٍ وقفوا، وببَصرٍ نافِذٍ كفّوا». وقال الإمام الأوزاعي إمام أهل الشام رحمه الله: «عليك بآثار من سلف، وإن رفضك الناس. وإياك وآراء الرجال، وإن زخرفوه لك بالقول». وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: «إلزم طرق الهدى، ولا يغُرّك قِلّةَ السالكين. وإيّاك وطرق الضلالة، ولا تغتر بكثرة الهالكين».

هذا وإن شريعة الله تعالى محفوظة من التغيير والتبديل، وقد تكَفَّلَ الله تعالى بحفظها فقال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (9) سورة الحجر. ورسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حديثه: «يحمِلُ هذا العِلْمَ من كُلِّ خَلَفٍ عُدُوله: يَنفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين». وهو حديثٌ حَسَنٌ بطرقه وشواهده.

نسأل الله تعالى أن يهدينا للعقيدة الصافية، والسريرة النقية الطاهرة، والأخلاق المرضية الفاضلة عند الله تعالى، وأن يعافينا من اتهام الأبرياء. وأن يُحْيينا على الإسلام، وأن يميتنا على الإيمان وشريعة النبي محمد عليه الصلاة والسلام. اللهم تَوَفَّنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين، غير خزايا ولا مفتونين، واغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين يوم يقوم الحساب. ونسأله تعالى أن يلهمنا الصواب في القول والعمل.

قال تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} (70–71) سورة الأحزاب.

كما نسأله تعالى أن يجعل قلوبنا طاهرة من الحقد والحسد، وعامرة بذكر الله تعالى والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم. وأن يُلهمنا القول بالحق في الرضى والغضب، وأن يرزقنا التقوى في السر والعلانية { ... هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} (56) سورة المدثر. إنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

طالب العلم الشريف

العبد الفقير إلى الله تعالى العلي القدير

(عبد القادر الأرنؤوط)

التوقيع

دمشق 1 ربيع الأول 1413 هـ

29 آب 1992 م

http://alarnaut.com/

المصدر ( http://saaid.net/Warathah/1/alarnaut.htm#_Toc70769592)

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير