وعنه أيضا في "الشعب" عن سعيد بن المسيب قال: (كتب إلى بعض إخواني من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ضع أمر أخيك على أحسنه ما لم يأتك ما يغلبك ولا تظنن بكلمة خرجت من امرئ مسلم شرا وأنت تجد له في الخير محملا).
فالواجب على من سمع مقالة أو فتوى أن يحملها المحمل الحسن بكل وسعه، ويقول في نفسه: لعله يريد كذا أو كذا، ولا يقصد كذا أو كذا، فيتأول كلام الآخر بكل السبل، خاصة إذا سبق لذهننا ماهية هذا الشخص من خلال قرائن الحال.
وفي هذا الخصوص روى البيهقي في "الشعب" عن حفص بن حميد قال: (إذا عرفت الرجل بالمودة، فسيئاته كلها مغفورة، وإذا عرفته بالعداوة، فحسناته كلها مردودة عليه).
4 ـ (أن تكون عالما بحقيقة ما تقوم بالنصح به):
فيجب على الناصح أن يكون مؤهلا علميا فيما سينصح به، وعلى دراية تامة بأوجه الاجتهاد في المسألة، ومعرفة الراجح من المرجوح فيه؛ حتى إذا أنكر على العالم أو الداعية يتناسب إنكاره مع حجم المنكر، ولا يبالغ في ذلك فيخرج عن الجادة والصواب.
5 ـ (ترك التعصب):
فأحيانا نجد البعض من شدة تعصبه لعالم من العلماء يشنع تشنيعا شديدا على العلماء والدعاة المخالفين لرأي شيخه، وهذه عصبية مقيتة تدل على ضعف إيمان وعقل وعلم صاحبها، فتعمى العصبية لشيخه بصره، وتغشى على عقله، فلا يرى حسنا إلا ما حسنه شيخه، ولا صوابا إلا ما ذهب إليه شيخه!!. {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا} (البقرة:91).
ولهذه العصبية تبعات خطيرة على صاحبها منها: أنها ستصده بكل قوة عن معرفة دليل المخالف لشيخه، أو الاستماع إليه أو فهمه وتأمله.
6 ـ (أن تتحرى الألفاظ عند النصيحة):
فنحن عندما نتكلم على عالم أو داعية إلى الله يجب أن يكون كلامنا يدور بين (النقد البناء، والنصيحة، والصدع بالحق)،، ونحترز من نواقض هذه الصفات كـ (التجريح، والفضيحة، والتحامل)؛ لأن هذه مطية أعداء الدين والتدين، لهدم الدين والخلق كما لا يخفى.
فأعداء الدين من المنافقين، والعلمانيين، والحداثيين، والزنادقة، والفساق تتهلل وجوههم الكالحة والسوداء من نعت علماء الإسلام والدعاة بهذه النعوت ومن تتبع خضراء الدّمن (جريدة الشرق الأوسط)، ومجلة (روزر يوسف)، وغيرهما يعلم جيدا خبث هؤلاء واصطيادهم في الماء العكر، فهل تسعد أيها الناصح المريد للخير بإسعاد هؤلاء؟!! بلا ريب لا وألف لا!!
إذًا فعليك بالاحتياط وتحري الألفاظ.
فامتلاك الكلمة قبل النطق بها هو دأب أهل الصلاح والخير؛ حتى لا نقع في مخالفة شرعية {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} (قّ:18).
وعن عقبة بن عامر مرفوعا: (أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك) رواه الشيخان.
فالواجب على العاقل أن يملك الكلمة ويتحكم فيها ولا يدعها تملكه ويكون أسيرا لها، وأذكر أنني قرأت في "روضة العقلاء" لأبي حاتم أنه حكى عن السلف قولهم: (من تكلم بالكلمة ملكته، ومن لم يتكلم بها ملكها) أو نحو هذا.
وكما روي عن عمر قوله: (من كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه، ومن كثرت ذنوبه كانت النار أولى به) رواه البيهقي في "الشعب".
فالمبادرة بالكلام والرد على عجالة له عواقب كثيرة، والكيس الفطن هو الذي يعلم أين يضع قدمه، ويجهز لكل عبارة جوابا شرعيا لا جوابا فلسفيا أو جدليا أو سفسطائيا. جوابا مفحما للآخرين يقنع نفسه به قبل إقناع الآخرين.
والكيس الفطن من احترز من السقطات بقلة الكلام، فهذا ابن مسعود يقول: (والله الذي لا إله إلا هو ليس شيء أحوج إلى طول سجن من لساني).
وقال الحسن: (ما عقل دينه من لم يحفظ لسانه). وبلا ريب أن الكتابة في المنتديات تعد بمنزلة النطق باللسان. وهذا يتولد منه التنبيه التالي:
7 ـ (التأني في الإنكار):
وذلك خشية أن يقع صاحبه في الظلم، فقد ينكر على الآخر على عجالة بدون تأني ويكون إنكاره ليس له وجه، فيقع المُنكِر ـ بضم الميم وكسر الكاف ـ في ظلم المنكر عليه، فيقع في المخالفة الشرعية وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (الحج:71).
فعلينا تذكر كلام حبيبنا ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما رواه عنه أبو هريرة مرفوعا: (لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يُقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء) رواه مسلم.
ولا أعني بذلك أن يصاب المؤمن ببرود الدم فيرى المنكر ولا يحرك ساكنا لا والله، ولكن ما قصدته أن ما يظهر للبعض أنه منكر محتمل ويسعه الخلاف، أو أنه غير متأكد من درجة المنكر، فلا يدري بأي درجة يعالج؛ لأن لكل منكر طريقة إنكاره، ومن هنا وجب التفقه في علم الحسبة، ومناهج السلف؛ حتى نوفق في إنكارنا. فمن المنكرات ما يسكت عنه، ومنها ما يعجل فيه بالإنكار، وهذا بابه واسع يحتاج لعلم وخبرة. وهذا يفضي بنا إلى التنبيه التالي:
8 ـ (طلب علم ما لم يعلم):
فإذا أشكل على المنكر أي أشكال، فليبادر بالاستفهام كما قال الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (يا فلان ما منعك أن تصلي في القوم؟) رواه البخاري من حديث عمران بن حصين، فإنما شفاء العي السؤال.
معنى ذلك أننا يجب أن نتثبت قبل الخوض في الرد كما نبهنا الله تعالى لذلك: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} (الإسراء:36).
فالعاقل يجب عليه أن يحذر من ترديد كلام الآخرين من غير التثبت منه وعقله وفهمه فيورط نفسه ويقع في المخالفة الشرعية التي جاء التحذير منها في حديث أبو هريرة مرفوعا: (كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع) رواه مسلم.
ويترتب على ذلك أن يقع هذا الشخص في التشبع بما لم يعط، فهو كلابس ثوبي زور كما روى ذلك الشيخان من حديث أسماء.
نسأل الله تعالى أن يردنا إلى الحق ردا جميلا، ويرزقنا الإخلاص في القول والعمل.
أخوكم محتسب .. أبو مصعب
منتدى الحسبة
¥