في الذهيبة التي لم يترك سواها ما قال كما سلف. اذا عرفت
هذا، علمت انه لم يبق من امور رسول اللّه (ص) عند موته ما
يفتقر الى مكتوب.
نعم، قد اراد (ص) ان يكتب لامته مكتوبا عند موته يكون عصمة
لها عن الضلالة وجنة تدرا عنها ما تسبب من المصائب الناشبة
عن اختلاف الاقوال، فلم يجب الى ذلك وحيل بينه وبين ما
هنالك، ولهذا قال الحبرابن عباس: الرزية كل الرزية ما حال
بين رسول اللّه (ص) وبين كتابه، كما ثبت ذلك عنه في
صحيح البخاري ((59)) وغيره ((60)).
فان قلت: لا شك ان في هذه الادلة التي سقتها كفاية، وان
المطلوب يثبت بدون هذا، وان عدم علم عائشة بالوصية لا
يستلزم عدمها، ونفيها لا ينافي الوقوع، وغاية ما في كلامها
الاخبار بعدم علمها، وقد علم غيرها، ومن علم حجة على من لم
يعلم، او نفي الوصية حال الموت لا يلزم من نفيها في الوقت
الخاص نفيها في كل وقت. الا ان ثمة اشكالا وهو ما ثبت انه
(ص) مات وعليه دين ليهودي آصع من شعير ((61))، فكيف لم
يوص به كما اوصى بسائر تركته؟
قلت: قد كان (ص) رهن عند اليهودي في تلك الاصع درعه،
والرهن حجة لليهودي كافية في ثبوت الدين، وقبول قوله لا
يحتاج معه الى الوصية كما قال اللّه تعالى في آية الدين (ولم
تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة) ((62)) على ان علم ذلك لم يكن
مختصا به (ص) بل قد شاركه فيه بعض الصحابة، ولهذا اخبرت
به عائشة، وليس المطلوب من الوصية للشارع الا التعريف بما
على الميت من حقوق اللّه وحقوق الادميين وقدحصل هاهنا.
البحث الثاني
واما البحث الثاني: فاخرج احمد بن حنبل عن انس: ان النبي
(ص) قال: ((وصيي ووارثي ومنجز موعدي علي بن ابي
طالب)).
واخرج احمد من حديثه، قال: قلنا لسلمان: سل رسول اللّه
(ص) من وصيه؟ قال سلمان: يارسول اللّه من وصيك؟ قال: ((يا
سلمان من كان وصي موسى؟)) قال: يوشع بن نون. قال: ((فان
وصيي ووارثي ويقضي ديني وينجز موعدي علي بن ابي
طالب)) ((63)).
واخرج الحافظ ابو القاسم البغوي في معجم الصحابة عن بريدة،
قال: قال رسول اللّه (ص): ((لكل نبي وصي ووارث وان عليا
وصيي ووارثي)) ((64)).
واخرج ابن جرير عن علي (ع) قال: قال رسول اللّه (ص):
((يابني عبدالمطلب اني قد جئتكم بخيري الدنياوالاخرة، وقد
امرني اللّه ان ادعوكم اليه، فايكم يؤازرني على هذا الامر على ان
يكون اخي ووصيي وخليفتي فيكم؟)).
قال: فاحجم القوم عنها جميعا، وقلت: انا يا نبي اللّه اكون
وزيرك. فاخذ برقبتي ثم قال: ((هذا اخي ووصيي وخليفتي
فيكم فاسمعوا له واطيعوا)) ((65)).
واخرج محمد بن يوسف الكنجي الشافعي في مناقبه من حديث
ذكره متصلا برسول اللّه (ص)، وفيه في وصف علي (ع): ((ووعاء
علمي ووصيي)) ((66)).
واخرج ايضا عن علي (ع) انه قال: امرني رسول اللّه (ص) بقتال
ثلاثة الناكثين والقاسطين والمارقين. واخرج ايضا عن جابر: ان
رسول اللّه (ص) قال لعلي بن ابي طالب: ((سلام عليك يا ابا
ريحانتي اوصيك بريحانتي خيرا)).
قال: هذا حديث حسن من حديث جعفر بن محمد ((67)).
واخرج الطبراني عن عمار عنه (ص): ((الا ارضيك يا علي؟ انت
اخي ووزيري تقضي ديني وتنجز موعدي وتبرئ
ذمتي)) ((68)) الحديث بطوله. واخرج نحوه ابو يعلى.
واخرج البزار عن انس مرفوعا: ((علي يقضي ديني)) ((69))،
وروي بكسر الدال.
واخرج ابن مردويه والديلمي عن سلمان الفارسي مرفوعا:
((علي ابن ابي طالب ينجز عداتي ويقضي ديني)) ((70)).
واخرج الديلمي عن انس مرفوعا: ((علي انت تبين للناس ما
اختلفوا فيه من بعدي)) ((71)).
واخرج ابو نعيم في الحلية والكنجي في المناقب من حديث
طويل وفيه: وقائد الغر المحجلين وخاتم الوصيين ((72)).
واخرج العلامة ابراهيم بن محمد الصنعاني في كتابه اشراق
الاصباح عن محمد بن علي الباقر، عن آبائه، عنه (ص) من
حديث طويل، وفيه: ((وهو يعني عليا وصيي ووليي)). قال
المحب الطبري ((73)) بعد ان ذكرحديث الوصية الى علي
(ع): والوصية محمولة على ما رواه انس من قوله (ص):
((وصيي ووارثي، يقضي ديني وينجز موعدي علي بن ابي
طالب)). او على ما اخرجه ابن السراج من قوله (ص): ((يا علي
اوصيك بالعرب خيرا)) ((74)). او على ما رواه حسين بن علي
(ع) عن ابيه عن جده، قال: اوصى رسول اللّه (ص) عليا
ان يغسله. فقال: يارسول اللّه اخشى ان لا اطيق. قال: ((انك
ستعان عليه ((75)))) انتهى.
¥