[تسلية السالكين لدرب المتقين]
ـ[أم عبد المحسن]ــــــــ[24 - 03 - 06, 06:54 م]ـ
[تسلية السالكين لدرب المتقين]
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}.
أما بعد؛
الناس في الدنيا حارث و همّام، لكلٍّ منهم همٌّ و غاية، و كلّ يسعى لنيل غايته و مُناه، منهم من يجمع موفقا بين دينه و دنياه، و منهم من يغلب خائبا دنياه على دينه، الكل يسعى لتحقيق غرض ما.
نحن بشر، نحب و نكره .. نسعد و نشقى .. نفرح و نحزن.
تختلف غاياتنا و أهدافنا باختلاف طباعنا و أعمارنا و أعرافنا .. و نشترك جميعا في غايات و أهداف عامة.
منا من ينتظر نتيجة امتحان ما، يأمل أن ينجح و يرى الخير كل الخير في نجاحه و فوزه.
منا من يرغب في خطبة امرأة ما و يرى السعادة كل السعادة كل السعادة في نكاحها.
منا من يتأهب لعقد صفقة ما و يرى الربح كل الربح في إبرامها.
منا من اقترب موعد زفافها و ترى السكينة كل السكينة في إعمار دارها.
منا من يربيان صغيرهما و يريان الأمل كل الأمل في فلذة كبدهما.
و لكن…
يريد المرء أن يؤتى مناه ويأبى الله إلا ما أرادَ
يقول المرء فائدتي و مالي و تقوى الله أفضل ما استفاد
ماذا لو كانت النتيجة خلاف ما نرجو و نأمل؟!
ماذا لو: رسب الطالب .. و رد الخاطب .. و عاد التاجر خاسرا غير كاسب .. ؟!
ماذا لو: ألغي العرس أو قضى العريس .. ؟!
ماذا لو: مات الطفل أو شب ذي عقوقٍ، غير بارٍّ و لا رحيم .. ؟!
للخيبة أوجاع ما كمثلها أوجاع .. و للقلب جراح ليست ككل الجراح.
في مثل هذه المواقف تُجنى ثمرة الإيمان، و يمتثل العمل لأمر العلم برا مطيعا، فإن العقيدة التي تتعلمها و العلم الذي تطلبه، إن لم يعد عليك بالثبات و التوفيق في مثل هذه المواقف، فراجع نفسك، تساءل: "لأي شيء أطلب العلم إن لم يكن للعمل؟! "
إذا لم تنل مرادك في أمر من أمورك- لمعِيبَة أو مصيبة- فأمامك أمران: إما أن ترضى و إما أن تسخط، .. و سواء رضيت أم سخطت فإن قضاء الله عليك جارٍ.
إياك ثم إياك، أن تهتز ثقتك بالله، ففي الحديث القدسي: ((أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء)) فأرِ ربك من نفسك خيرا, فكم من قبيح تستر بالجميل و ربّ مكروه في محبوب و اعتبر بقول الله: ((عسى أن تكرهوا شيئا و هو خير لكم و عسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم)) و بأي شيء ختم الآية؟ تأمل إن كنت ذا لب، قال عز و جل بعد ذلك: ((و الله يعلم و أنتم لا تعلمون)) يعلم عاقبة الأمور، يعلم أفي هذا الأمر نفع لك أو .. ضرر عليك، و أنت لا تعلم.
الله تبارك و تعالى أعلم بمصالحك منك، وهل أنت إلا عبد ضعيف؟!
عود لسانك أن يقول: قدر الله و ما شاء فعل، عود قلبك أن يحسن الظن بالله ((إن الله لا يظلم الناس مثقال ذرة و لكن الناس أنفسهم يظلمون)).
و ختاما دعني أهديك هذا الكلام القيم للإمام ابن القيم رحمه الله من كتابه: "الفوائد".
قال:
[فأحكم الحاكمين و أرحم الراحمين و أعلم العالمين، الذي هو أرحم بعباده منهم بأنفسهم ومن آبائهم و أمهاتهم، إذا أنزل بهم ما يكرهون كان خيرا لهم من أن لا ينزله بهم، نظرا منه لهم و إحسانا إليهم و لطفا بهم، و لو مكنوا من الاختيار لأنفسهم لعجزوا عن القيام بمصالحهم علما و إرادة و عملا، لكنه سبحانه تولى تدبير أمورهم بموجب علمه و حكمته و رحمته، أحبوا أم كرهوا، فعرف ذلك الموقنون بأسمائه و صفاته فلم يتهموه في شيء من أحكامه .. ] [ .. و متى ظفر العبد بهذه المعرفة، سكن في الدنيا قبل الآخرة في جنة لا يشبه نعيمها إلا نعيم جنة الآخرة، فإنه لا يزال راضيا عن ربه، و الرضا جنة الدنيا و مستراح العارفين، فإنه طيب النفس بما يجري عليها من المقادير التي هي عين اختيار الله له]
هذه مشاركتي الأولى، بمداد الروح سجلتها، ومن مكنون الفؤاد أخرجتها.
أسأل الله العلي القدير أن ينفع بها، هو ولي ذلك و القادر عليه.
ترقبوا غيرها بإذن المولى الشهيد إن كان في العمر بقية و في العلم مزيد.
سبحان الله و بحمده، سبحانك اللهم و بحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك و أتوب إليك.
¥