الخامسة: لا يجوز اختراع حلول نظرية تقوم على الإمكان العقلي المجرَّد، كقول الأخ العاصمي وفقه الله (قد يكون ابن دقيق العيد كتب أصله، لكنّ المنتحلين كدّروا صفوه ... إلخ). فهذا مجرد احتمال أو حل نظري وسط، ولكن لا يوجد أي دليل على صحته. ومن البعيد جداً أن يكون لرجل من أهل العلم غرض من إفساد كتاب للشيخ ابن دقيق العيد، ولا أن يجمع جراميزه لمثل هذه الخيانة!
السادسة: أن تزوير نسبة الكتب له غرض معروف، هو المكسب المادي غالباً. والقائمون عليه هم من لا يخافون الله، من اللصوص وتجار الكتب. وهو يجري على نمط مألوف: يُسرق الكتاب من خزائن الأوقاف، فتُتلف ورقته الأولى عمداً لأنها تحمل عبارة الوقف، أو يوجد الكتاب وقد تلفت أوائله لأسباب طبيعية، ويؤول الكتاب إلى ورّاق ماكر، فيستر العيب بتلفيق ما يقوم مقام الساقط منه، وعلى رأس ذلك ورقة العنوان، وسواء أكان يعرف اسم المصنف أم يجهله فلا شيء يمنعه من نسبة الكتاب إلى عالم مشهور كابن دقيق العيد، فتزداد قيمته أضعافاً مضاعفة، ولا سيما إذا كان المشتري من الأثرياء الذين يحرصون على المظاهر! ولا شكّ بأن الفرق في القيمة كبير جداً بين شرح الأربعين مخروم الأول مجهول المصنف، وبين شرح الأربعين لابن دقيق العيد!
وقد يضطر المزوّّر إلى إنشاء كلام يسدّ به النقص في أول الكتاب وآخره، ولكنه قلَّما يتجاوز ذلك إلى تحريف نصوص الكتاب لاستبعاد ما لا يتَّفق مع اسم المصنَّف، وهو لا يملك أدوات ذلك ولا يحتاج إليه أصلاً، لأنه يعلم أن المشتري لن يكتشف التزوير، ولو اكتشفه بعد حين فيكون ماذا؟! لقد اشترى الكتاب كما هو بعد معاينته، ولم يضمن له البائع أنه صحيح من كل وجه، فضلاً عن أن يعترف له بالتزوير، وهي مسألة فيها قولان! أو كما قال أحد الظرفاء: بعد خمس سنين أموت أنا أو يموت الأمير أو يموت الحمار!!
وأيضاً ليس من شأن المزوِّر أن يتأكَّد من كون الشيخ قد شرح أو لم يشرح الأربعين، ولا يملك أدوات ذلك ولا يحتاج إليه أصلاً! بل إن عدم شرح الشيخ للكتاب يخدم غرضه، لأنه يجعل النسخة - في نظر البائع والمشتري، وفي نظر بعض العلماء والمحققين أيضاً - نادرة لا مثيل لها في الدنيا! والدليل على ذلك أن محققي زماننا ينشرون هذه الكتب الباطلة ويجادلون للدفاع عن صحَّتها! (وما صنيع عيسى الحميري عنا ببعيد!)
ـ[أم شمس الدين بكر]ــــــــ[02 - 05 - 09, 02:19 ص]ـ
بوركتم، انتفعت بما خُطَّ هنا ..
يسر الله إتمام مناقشة النسبة
ـ[يعقوب بن مطر العتيبي]ــــــــ[08 - 05 - 09, 03:06 م]ـ
أخي الفاضل / العاصمي ..
بارك الله فيك وجزاك خيرا ورفع قدرك ... وبارك في الإخوة الذين علّقوا جميعا ..
وللفائدة فقد قال شيخنا عبد الكريم الخضير حفظه الله تعالى:
(شرح الأربعين النووية لابن دقيق العيد
لا أعرف لمن هذا الشرح وفيه نقل عن مُتأخِّر عن ابن دقيق العيد , فهذا ممَّا يُشَكِّكُ في نِسْبَتِهِ إِليهِ).
http://www.khudheir.com/ref/739
ـ[أبو حاتم المهاجر]ــــــــ[08 - 05 - 09, 04:18 م]ـ
بارك الله في الشيخ العاصمي.
ومن الغريب انتحال معرفه كما في توقيعه .. ابتسامة.
ـ[أبو عبد الله الديري]ــــــــ[09 - 05 - 09, 12:15 ص]ـ
بارك الله فيك أيها الأخ العاصمي على هذه الإفادة والإجادة، وأنا موافقكم الرأي والتحقيق في عدم نسبة هذا الكتاب إلى الإمام ابن دقيق رحمه الله.
إلا أن هناك ثمت أمور رأيت ذكرها للفائدة ليس إلا:
أولها: القول بعدم العهد عن ابن دقيق نقله عن النووي، فليس كذلك، ففي شرح الإلمام لابن دقيق نقول كثيرة عن النووي من كتابيه شرح مسلم وتهذيب الأسماء واللغات، وتارة يصرح باسمه وتارة يغفله، وفي الغالب يتعقبه فيما ينقله عنه بنقد يطول تعجبك منه.
الثاني: القول بأن ابن دقيق العيد يبعد عنه إثبات مثل هذه الأحاديث الباطلة في كتبه، صحيح في الغالب، إلا أنه قد يذكر قريبا من تلك الأحاديث، كذكره حديث أصحابي كالنجوم في شرح الإلمام، وأذكر أني وقفت على بعض الأحاديث الغريبة الأخرى، لا أذكرها الآن لبعدي عن مكتبتي.
الثالث: أعجب من جميع شراح البيقونية حين يصلون إلى قول ناظمها: سميتها منظومة البيقوني، فلا يذكرون شيئا عنه، فترى بعضهم يقول: توقف غالب شراح البيقونية عند هذا، وبعضهم: لم يوقف له على ترجمة، وهكذا ....
أخيرا: كل من قرأ كتب الإمام ابن دقيق خصوصا الإحكام وشرح الإلمام يقطع أن هذا الشرح مصنوع ومنسوب إليه، فنفس الإمام ابن دقيق وكلامه ليس ظاهرا أبدا في هذا الشرح، يعرف هذا من قرأ كتبه، ويجهله من حرم منها، والله أعلم.
ـ[محمد بن القاضي]ــــــــ[19 - 05 - 09, 12:40 م]ـ
الحمد لله قد أنهيت تحقيق كتاب شرح الأربعين المنسوب لابن دقيق العيد. وعنوانه: (شرح الأربعين النووية لابن حجر العسقلاني وتخطئة نسبته لابن دقيق العيد) .. وسأرفع بالمنتدى نسخة منه إن شاء الله بعد جمعه على الكمبيوتر، وفيها مقدمة واعبة في تحقيق نسبة الكتاب فاستغفروا لي.
¥