تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بلغك ما ورد في ذلك عن القوم؟! ولكن قد حرمت بذلك خيرا كثيرا، وفضلا كبيرا. فوالله ما طلعت لتك (الطبقات) طالعة، ولا رآها أكثر الناس، ولا طرق خبرها مسامعه. وهكذا سنة الله فيمن أغار على كتب المصنفين، ولم يؤد الأمانة من المؤلفين، أن يخمل ذكره وذكر كتابه، ويعدم النفع به في الذنيا إلى يوم مآبه. وسرق لي كتابا ثالثا، وهو المختصر المسمى (طي اللسان عن ذم الطيلسان) أغار على جميع ما أودعت فيه، وصدر ما أورده ب (قلت)، كأنه الذي أقام دهرا يتتبعه ويقتفيه، فجعل ذلك من تتبعه وقوله، وأثبته عل أنه من ذخائر كنزه وطوله.

[23]

فإن كان صادقا في أنه القائل المتضلع، والجامع المتتبع، فشكر الله مسعاه،، وبارك فيما ادعاه، وإن كان سارقا سالخا، وناسخا ماسخا، وكاذبا في دعوى اطلاعه على الأصول، ومدعيا ما لا حاصل عنده به ولا محصول، ومغيرا على تصنيفي، ومنتحلا لتأليفي؟ فلا يأمن أن يحرمه الله نفعه وثوابه، وأن يعدم عليه نفسه وكتابه، ثم لا يدفع عنه كبير ولا جليل، ولا يغني عنه صديق ولا خليل. فليت شعري ما الذي ألجأه إلى ولوج هذا الباب وليس له طاقة؟! وما الذي اضطره إلى التنبيه بأهل الإفاقة، وهو من أهل الفاقة؟! فإن ظن أنه يربح بذلك، فإنما هو يخسر، وإن توهم أنه يدعى بذلك رأسا فإنما هو رأس منسر. وأغار منهما على كل نفيس قدره وسني، فيستفيد ولا يعترف، وينكر ما أضحى له من بحار كتبنا يغترف، فليدك دكا، وليشك في دفتر الخائنين شكا، ولتبك عنقه كما بكت بمكة أعناق الجبابرة بكا، وإن زكاه أحد فما خائن عندنا بمزكى. والله إن سارقا يسرق الأشعار، وهي بالنسبة إلى العلم رخيصة الأسعار، فيعز على المسروق منه ويشتد، وينبه على سرقته ويعتد، ويساعده على ذلك أهل الأدب، وينتدبون لافضاحه مع من انتدب، ويؤلفون الكتب في هتكه، ويدرجونه في حيز المهمل وسلكه، ألم تر إلى كتاب (الحجة في سرقات ابن حجة). وعقد علماء البيان في كتبهم السرية بابا في السرقات الشعرية، كل ذلك في إعطاء الفضائل حقها، وتوفية بنسبة الحقوق إلى من استحقها. وما أحسن الفصل الذي ذكره الحريري في (مقاماته)، حيث قال: (فبرزت يوما إلى الحريم، لأروض طرفي، وأجيل في طرقه طرفي؟ فإذا فرسان متتالون، ورجال منثالون، وشيخ طويل اللسان، قصير الطيلسان، قد لبب فتى خلق الجلباب، قويم الشباب.

[24]

فركضت على إثر النظارة، حتى وافينا باب الأمارة، وهناك صاحب المعونة متربعا في دسته، ومروعا بسمته. فقال له الشيخ: أعز الله الوالي، وجعل كعبه العالي، إني كفلت هذا الغلام فطيما، وربيته يتيما، ثم لم آله تعليما. فلما مهروبهر، جرد سيف العدوان وشهر، ولم أخله يلتوي علي ويتقح، حين يرتوي مني، ويلتقح. فقال له الفتى: علام عثرت مني، حتى تنشر هذا الخزي عني؟! فوالله ما سترت وجه برك، ولا هتكت حجاب سترك، ولا شققت عصا أمرك، ولا ألغيت تلاوة شكرك. فقال له الشيخ: ويلك، وأي ريب أخزى من ريبك، وهل عيب أفحش من عيبك، وقد ادعيت سحري واستلحقته، وانتحلت شعري واسترقته؟! واستراق الشعر عند الشعراء أفظع من استراق البيضاء والصفراء، وغيرتهم على بنات الأفكار كغيرتهم على البنات الأبكار. فالتفت الوالي إلى الغلام، وقد نصل له أسهم الملام، وقال: تبا لك من خريج مارق، وتلميذ سارق). وما أحسن قول الأديب ناصر الدين الحسن بن شاور الكناني: سارق الشعر على الأبيات عاد أي عاد وهو لص آمن من قطع كف في فساد إنما قطع يديه قطعكم عنه الأيادي فكيف يترك هذا وعزيز العلم يغير عليه، وينسب ما ليس له فيه يد إليه، ويوجه إلى الخيانة في كتبنا وجهه، ويسير في باب الإغارة إلى كل وجهه، ويسرق من ذخائر كنوزنا جواهر نفائس لا ملك له فيها ولا شبهة؟!

[25]

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير