ويقول الشعراني أيضاً: " وكان في طنطا سيدي حسن الصائغ الأخنائي وسيدي سالم المغرب، فلما قرب سيدي أحمد البدوي من مصر أول مجئيه من العراق قال سيدي حسن .. ما بقي لنا إقامة صاحب البلاد قد جاء، فخرج إلى ناحية أخنا وضريحه بها مشهور إلى الآن، ومكث سيدي سالم فسلم لسيدي أحمد ... ولم يتعرض له ... وقبره في طنطا مشهور. وأنكر عليه ... صاحب الإيوان العظيم بطنطا المسمى بوجه القمر وكان ولياً عظيماً فثار عنده الحسد ولم يسلم الأمر لقدرة الله تعالى فسلب، وموضعه للآن بطنطا مأوى للكلاب ليس فيه رائحة صلاح ولا مدد " (راجع ط. ك [1/ 156]).
ويحكي أيضاً أن ابن اللبان وقع في حق البدوي فسلب القرآن والعلم فلم يزل يستغيث بالأولياء فلم يقدر أحد أن يدخل في أمره، فدلوه على السيد ياقوت العرشي، فمضى إلى السيد أحمد وكلمه في قبره، وأجابه. وقال له - العرشي - أنت أبو الفتيان رد على هذا المسكين رأس ماله. فقال - البدوي -: بشرط التوبة، فتاب ورد عليه رأس ماله " (المصدر السابق [1/ 159]).
ولم تنته قصص البدوي مع الشعراني فيقول: " وأخبرني شيخنا الشيخ محمد الشناوي ... أن شخصاً أنكر حضور مولده - يعني البدوي - فسلب الإيمان فلم يكن فيه شعرة تحن إلى دين الإسلام فاستغاث بالسيد أحمد .. فقال بشرط أن لا تعود، فقال: نعم، فرد عليه ثوب إيمانه، ثم قال له: وماذا تنكر عليه؟ قال: اختلاط الرجال والنساء، فقال له السيد البدوي: ذلك واقع في الطواف ولم يمنع أحد منه، ثم قال وعزة ربي ما عصي أحد في مولدي إلا وتاب وحسنت توبته، وإذا كنت أرعى الوحوش والسمك في البحر وأحميهم من بعضهم بعضاً أفيعجزني الله عز وجل عن حماية من يحضر مولدي " (راجع ط. ك [1/ 158]).
إذا تأملنا هذه الحكايات نسجل الآتي:
1 - إذا كان أولياء الصوفية يدافعون عن الكفار الذين يقاتلون المسلمين دفاعاً يؤدي إلى سلب ولي من الأولياء إيمانه، فهل يتصور أن يقوموا بالجهاد في سبيل الله؟
2 - إذا كان أحد أتباع البدوي استهزأ بزميله البدوي فأدى ذلك إلى سلبه، فأين الأخوة والتناصح والتراحم بين أصحاب هذه المدرسة البدوية؟
3 - اعتبر الشعراني شهرة القبر وكثرة زواره دليلاً على صلاح المقبور وعدمها دليلاً على عدمه، وهذا قسطاس غير مستقيم، لأن كون القبر مشهوراً منوط بوجود قبوريين يوجهون عنايتهم إلى بنائها وزخرفتها وسدانتها، وإلا فكثير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تعرف قبورهم اليوم وليس ذلك دليلاً على نقص الدرجة أو قلة الصلاح.
4 - يتضح من قراءة قصة البدوي الأخيرة أن ناسج حبكتها يهدف إلى أمور:
الأمر الأول: جعل الهداية والإضلال بأيدي الأولياء، وإن من ينكر عليهم يسلب الإيمان ولا يرد عليه إلا بالاستغاثة بالمقدس المنكر عليه.
الأمر الثاني: يحاول أن يعقد مقارنة بين الطواف حول البيت العتيق وبين الاختلاط عند الطواف حول القبور والاستغاثة بأصحابها، والفرق بينهما شاسع:
أما الأول: فلأن الحج يشترط فيه أن يكون مع المرأة محرم يذود عنها ويحميها من الزحام ونحوه، وهذا الشرط غير واقع فيمن يحضرون المواليد.
وأما الثاني: فلأن الحج يبطل لو حصل ارتكاب الفواحش، ويبعد جداً أن يخرج مسلم من بيته قاصداً الحج منفقاً ماله ووقته ثم يقدم على ارتكاب شئ يعتقد أنه يبطل حجه، وهذا يختلف تماماً عن هذا الفكر الذي يدعو صراحة إلى ارتكاب الفواحش في مولد البدوي مع تشجيعه على ذلك بهذه البشارة: " ما عصى أحد في مولدي إلا وتاب وحسنت توبته " فإن هذه العبارة تساوي: افعلوا ما شئتم فالمغفرة مضمونة.
الأمر الثالث: أن هذا الشخص يهدف إلى إفساد عقائد الناس في ربهم وخالقهم. وذلك بدعوتهم إلى اعتقاد أن الذي يرعى الوحوش في البر والسمك في البحر ويحمي العالم إنما هو السيد البدوي المقبور، وإلى اعتقاد أن البدوي ما زال حياً في قبره حياة مستقرة كحياتنا، يجيب المستغيثين، ويكلم الزوار، ويبشر العصاة، ويدعي الألوهية، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
خامساً: الأولياء وأخبار السماء:
يقول الدباغ: " ليس كل من يحضر الديوان من الأولياء يقدر على النظر في اللوح المحفوظ، بل منهم من يقدر على النظر فيه ومنهم من يتوجه إليه ببصيرته " (راجع الإبريز ص188).
¥